يستند الخطاب والتوصيات التاليين إلى تقريرين لنامه شام (من الآن فصاعداً “التقريران”):
- “إيران في سوريا: من حليف للنظام إلى قوة احتلال“، الذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2014
- “التطهير الطائفي الصامت: الدور الإيراني في التدمير والتهجير في سوريا“، الذي سيصدر في أيار/مايو 2015.
والتقريران حصيلة عام ونصف من عمل (نامه شام) في مراقبة تغطية وسائل الإعلام الإيرانية والسورية والعالمية للأحداث في سوريا. لذا فأغلب المعلومات والمصادر الواردة في التقريرين متاحة للعموم.
كل ما فعلناه هو الوصل بين نقاط مبعثرة لخلق صور واضحة وذات معنى، واستخدام هذه الصور كأساس للخطاب الجديد والتوصيات أدناه.
أ. خطاب جديد
1. النظام الإيراني متورط في جرائم خطيرة في سوريا
يقدّم التقريران أمثلة عديدة عن انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في سوريا من قبل قوات وميليشيات النظام السوري بمساندة وتورط الحرس الثوري الإيراني (سباه باسداران) والميليشيات التي يتحكم بها.
ثمة ما يكفي من الأدلة لفتح تحقيقات ورفع دعاوى قضائية ضد القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية لتورطها في العديد من هذه الجرائم على مستويات مختلفة، من “التحريض على” أو “تبنّي” أعمال جرمية وإرهابية معينة إلى “المساعدة والتحريض” على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
يقدّم التقرير الأول أمثلة عديدة عن جرائم ارتكبتها القوات والميليشيات التي يتحكم بها النظام الإيراني، بما فيها اغتيال أعضاء “خلية الأزمة” في النظام السوري في تموز/يوليو 2012 وهجوم الغوطة الكيميائي في آب/أغسطس 2013.
يتّهم التقرير الثاني النظام السوري وسباه باسداران وحزب الله اللبناني بالتهجير المنهجي للمدنيين السوريين وبتدمير ممتلكاتهم أو الاستيلاء عليها في مناطق معينة من سوريا، مثل دمشق وحمص، ويخلص إلى أن هناك “تطهيراً طائفياً صامتاً” يحدث في سوريا بينما العالم يراقب ما يحدث في صمت.
الهدف من خطط هدم وإعادة إعمار مناطق معينة في سوريا هو ليس فقط معاقبة الجماعات الأهلية التي تدعم الثورة أو الفصائل المسلحة، والتي تنحدر غالبيتها من أصول سنّية، بل كذلك “تطهير” هذه المناطق من جميع “العناصر غير المرغوب بها” ومنعهم من العودة إلى منازلهم في المستقبل، واستبدالهم بعلويّين سوريين أو شيعة أجانب ممن يساندون النظام.
نتيجة هذه السياسة هي تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه المناطق من سوريا، ويبدو أن الهدف البعيد منها هو تأمين ممرّ دمشق-حمص-الساحل على طول الحدود اللبنانية، من أجل تأمين استمرارية جغرافية وديموغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام من جهة، ولتأمين وصول شحنات السلاح الإيراني إلى حزب الله في لبنان من جهة أخرى.
ثمة أدلة كافية على أن أعلى مستويات النظام السوري، بالإضافة لقادة عسكريين ورجال أعمال إيرانيين ومن حزب الله، متورطون في جرائم الحرب والجرائم ضد الإسانية هذه.
2. سباه باسداران وحزب الله يخوضان ويوجّهان جميع المعارك الكبرى في سوريا
لم يعد من الدقيق وصف الحرب في سوريا بأنها “نزاع” بين متمردين سوريين من جهة وقوات نظام بشار الأسد “مدعومة” من قبل سباه باسداران وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية من جهة ثانية.
فجميع المعارك الكبرى في سوريا – على خطوط التماس مع المناطق التي يسيطر عليها النظام – يخوضها ويوجّهها اليوم سباه باسداران وحزب الله اللبناني، وليس قوات الأسد.
لقد نما الدور العسكري للنظام الإيراني في الحرب المستمرة في سوريا تدريجياً من تقديم دعم استراتيجي وتقني لقوات الأسد إلى التحكم الفعلي بالاستراتيجية العسكرية للنظام السوري وتوجيه جميع حملاته العسكرية الكبرى.
3. اقتصاد النظام السوري يستند بشكل أساسي إلى دعم النظام الإيراني
لقد صرف النظام الإيراني حتى الآن مليارات الدولارات على الأسلحة والمقاتلين الذين أرسلهم إلى سوريا منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، بالإضافة إلى تمويل جزء كبير من اقتصاد المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام عبر قروض مالية وخطوط ائتمان تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
لا شك أن نظام الأسد كان سينهار اقتصادياً منذ زمن طويل لولا هذا الدعم الإيراني.
4. سوريا ترزح جزئياً تحت احتلال عسكري إيراني
لقد أدى الدعم العسكري والاقتصادي الهائل الذي يقدّمه النظام الإيراني لنظام بشار الأسد عملياً إلى احتلال عسكري من قبل النظام الإيراني لما يسمى بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا. إذ يتحكم سباه باسداران وجنوده (حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات الشيعية) بشكل كامل بهذه المناطق.
قائد سباه قدس، الجنرال قاسم سليماني، ومعه بضعة قادة آخرين من سباه باسداران، هم اليوم الحكام الفعليّون لـ “سوريا المحتلة من قبل النظام الإيراني”. بشار الأسد ونظامه ليسوا سوى دمى في أيديهم.
لهذا الواقع الجديد نتائج سياسية وقانونية هامة. يفصّل التقريران في أسئلة قانونية تتعلق بمعاملة الحرب في سوريا على أنها نزاع دولي طرفاه الأساسيان احتلال عسكري أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري يخوضه الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي، وفقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
كما أن الإقرار بالحرب السورية بأنها نزاع دولي يعني أن على إيران، باعتبارها قوة احتلال، “واجبات” معينة تجاه السكان السوريين الذين يرزحون تحت احتلالها، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.
ثمة أدلة كافية على أن النظام الإيراني وقواته وميليشياته المختلفة التي تقاتل في سوريا قد انتهكت هذه الواجبات مراراً منذ آذار/مارس 2011. وتعدّ هذه الانتهاكات في القانون الدولي جرائم حرب خطيرة، كتلك المشار إليها أعلاه.
5. سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه إيران وحزب الله في سوريا
يعاين التقريران ويقيّمان سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تبنّتها الولايات المتحدة وحلفاؤها تجاه إيران وحزب الله في سوريا. ويبدو أن منبع هذه السياسة هو افتراض أن حرب وكالة مطوّلة مع النظام الإيراني في سوريا، رفقاً مع عقوبات اقتصادية تشلّ الاقتصاد الإيراني وأسعار نفط منخفضة، ستؤدي في النهاية إلى إضعاف النظام الإيراني، وبالتالي إجباره على إيقاف برنامجه النووي العسكري وتغيير سياساته المزعزعة للاستقرار في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
حتى أن البعض يأمل في أن العوامل المذكورة أعلاه قد تؤدي في النهاية إلى انهيار النظام الإيراني (أي “الفوز بالحرب السورية في شوارع طهران”). أفضل ما يمكن أن يقال في هذا المنطق أنه مجرد أمنيات. لقد أظهر الحرس الثوري وقوات الباسيج غير النظامية أنهم قادرون، ومستعدون، لسحق أي احتجاج داخلي بقسوة، كما أظهروا أنهم قادرون على “النزف” لوقت طويل.
علاوة على ذلك، تُطبّق سياسة “الاستنزاف البطيء” هذه على حساب الشعب السوري والمنطقة عموماً، كما أنها تؤدي شيئاً فشيئاً إلى المزيد من انعدام الاستقرار وزيادة التطرّف في الشرق الأوسط والعالم عموماً.
6. النظام الإيراني والحرب على داعش
يوثّق التقريران العلاقة بين النظامين السوري والإيراني من جهة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومجموعات أخرى مرتبطة بالقاعدة من جهة أخرى. ويخلص التقريران إلى أن كلا النظامين قد اخترق وتعاون مع واستخدم هذه المجموعات الإرهابية من أجل حرف الثورة السورية عن مسارها باتجاه العسكرة والطائفية ولتبرير أعمالهما العسكرية ضد المتظاهرين والثوّار السوريين.
وهذه قضية هامة، إذ يحاول كلا النظامين اليوم أن يسوّق نفسه كـ “شريك” في الحملة الدولية ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بخصوص داعش وجبهة النصرة في آب/أغسطس 2014 وإعلان الرئيس الأميركي الحرب على داعش في العراق وسوريا في أيلول/سبتمبر 2014.
من المؤسف أن أياً من هذين القرارين لم يُشر صراحة إلى صلات هاتين المجموعتين بالنظامين الإيراني والسوري.
يقاتل الثوّار السوريون المعتدلون اليوم في الوقت نفسه:
- ضد نظام الأسد والقوات والميليشيات المختلفة التي تقاتل إلى جانبه أو بالنيابة عنه (سباه باسداران، حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية)؛
- وضد مجموعات متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة.
لقد أثبت اقتصار الدعم المقدّم للثوار السوريين على واحدة فقط من هذه الجبهات (محاربة داعش) فشله وقصر نظره.
7. مصالح الولايات المتحدة الوطنية والإقليمية
لقد أدّت سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تتبعها الإدارة الأميركية، ورفضها تقديم دعم جديّ للثوّار السوريين المعتدلين، أدّت إلى تقوية مجموعات متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة.
يواجه الملايين في المنطقة الموت والتهجير يومياً، أو ينضمون إلى مجموعات متطرفة. وهذه ليست مأساة للشعوب السورية واللبنانية والعراقية وحسب، بل تشكل كذلك تهديداً جدياً لأمن المنطقة والعالم.
لا يُعقل أن يكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أن يسود بين الجماعات السنية في سوريا والعراق اعتقاد أنهم يُتركون ليموتوا، أو يُتركون لرحمة الأنظمة الطائفية المدعومة إيرانياً في هذين البلدين، بينما يركز الغرب على محاربة داعش.
لا يُعقل أن يكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أن تزداد المعارضة السورية المعتدلة ضعفاً أكثر فأكثر بالمقارنة مع داعش والنصرة.
لا يُعقل أن يكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أن يُترك النظام الإيراني لتعزيز هيمنته في المنطقة من خلال ميليشيات شيعية عقائدية مدججة بالسلاح لا تقلّ خطراً عن داعش.
8. “خطوط الدفاع” الإيرانية لحماية المنشآت النووية الإيرانية
إن السبب الأساسي لإصرار النظام الإيراني على إنقاذ نظام بشار اﻷسد بأي ثمن هو الحفاظ على إمكانية إرسال شحنات الأسلحة إلى حزب الله عن طريق سوريا، من أجل إبقاء حزب الله رادعاً قوياً ضد أي هجوم محتمل من قبل إسرائيل أو الغرب على منشآت إيران النووية. الحدود اللبنانية-الإسرائيلية هي “خط دفاع” إيران الأساسي.
فمنذ حرب تموز/يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل، تقف السفن التابعة للأمم المتحدة في البحر المتوسط عائقاً أمام وصول الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله عن طريق الموانئ اللبنانية (تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701 بتاريخ 1 آب/أغسطس 2006). ومنذ ذلك الحين، يرسل النظام الإيراني الأسلحة الثقيلة والذخيرة إلى حزب الله في لبنان عير الموانئ السورية، ومن هناك يتم نقلها بشكل غير قانوني إلى لبنان. تشكل سوريا منذ عام 2006 حبل النجاة الوحيد لجيش إيران في لبنان، أي حزب الله.
تضم “خطوط الدفاع” الإيرانية الأخرى عدداً من الميليشيات الشيعية في العراق، المجموعات الفلسطينية التي يدعمها النظام الإيراني في قطاع غزة (حماس والجهاد الإسلامي) على الحدود الجنوبية لإسرائيل، والميليشيات الشيعية الحوثية في اليمن، على الحدود الجنوبية للسعودية.
إذا سقط نظام الأسد، من المرجح أن تتوقف شحنات الأسلحة الإيرانية لحزب الله، ولن يعود هذا الأخير الرادع القوي ضد إسرائيل الذي يشكّله اليوم. سيشعر النظام الإيراني عندئذ بالضعف ولن يستطيع التفاوض من موقع قوة خلال المحادثات النووية مع القوى الكبرى، كما يفعل الآن. قد يُضطر حتى إلى التخلي عن أحلامه النووية إلى حين. لذا فقد تم تسخير كل الموارد المتاحة في إيران (البشرية والاقتصادية والعسكرية) من أجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
حزب الله هو سباه باسداران في لبنان، والتدخل الإيراني في لبنان وسوريا يتعلق بشكل أساسي بالردع وخلق أفضل التوازنات الممكنة بالنسبة للنظام الإيراني حتى يستطيع بناء قنبلته النووية يوماً ما من أجل ضمان بقائه على قيد الحياة. ولن يتخلى النظام الإيراني، ممثلاً بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وسباه باسداران، بسهولة عن هذا الحلم، إن تخلى عنه أصلاً.
لذا فإن موافقة الغرب على رفع العقوبات عن إيران مقابل تنازلات طفيفة ومؤقتة من قبل النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي، ودون أية تعهدات جدية بإنهاء تدخله في سوريا والعراق ولبنان واليمن، يعطي النظام الإيراني عملياً الضوء الأخضر للاستمرار في سياساته في هذه البلدان، ويسمح له بكسب الوقت لتعزيز هيمنته في المنطقة.
تقع على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها مسؤولية أخلاقية وسياسية لوقف حمّام الدم في سوريا ولضمان الاستقرار في العراق ولبنان واليمن بأسرع وقت ممكن. من دون تدخل عسكري مباشر، أحد الطرق الفعالة لتحقيق ذلك هو ربط المحادثات النووية الإيرانية بتدخل النظام الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
يشكّل ذلك حالياً الفرصة الواقعية الوحيدة للدفع باتجاه وفرض تغيير جذري في سياسة إيران الخارجية. عدم فعل ذلك سيُفسّر من قبل شعوب المنطقة – ومعهم كل الحق في ذلك – على أنه متاجرة من قبل الغرب بسوريا والعراق ولبنان مقابل القنبلة النووية الإيرانية.
في الوقت الذي لا يجب أن يقف فيه أحد ضدّ تحسين العلاقات الاقتصادية بين إيران وأية دولة أخرى، لا يمكن للمرء تجاهل حقيقة أن جزءاً كبيراً من المكتسبات المترتبة على ذلك ضمن الشروط الحالية سيُهدر على تمكين المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والمزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا وغيرها.
9. الإنكار الأميركي بشأن الوضع في سوريا لتجنب مواجهة مباشرة مع إيران
لا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الاعتراف بأن حربها في سوريا والعراق هي حرب وكالة ضد النظام الإيراني بشكل أساسي. وسبب ذلك غالباً هو أنها لا تريد مواجهة ضغوط لاتخاذ خطوات سريعة وملموسة لإنهاء حمّام الدم في سوريا والعراق ولفرض الاستقرار في لبنان واليمن، ما من شأنه أن يدفعها باتجاه مواجهة مباشرة مع إيران.
ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها حتى الآن التدخل في سوريا بشكل جدّي وحاسم ضد نظام الأسد وسباه باسداران وحزب الله. وقد تُرجمت سياسة “الاستنزاف البطيء” هذه (انظر أعلاه) إلى تقديم مساعدات محدودة للثوّار السوريين بما يكفي لأن لا تخسر الحرب، لكن بما لا يكفي لتربحها كذلك.
يقتصر القرار الأميركي في أيلول/سبتمبر 2014 بدعم المعارضة السورية المعتدلة على محاربة متطرفي داعش. ليس هناك أي ذكر لسباه باسداران وحزب الله، ولا يزال الثوار السوريون المعتدلون ينتظرون تبلور الوعود الأميركية بدعمهم. عواقب هذه السياسة على سوريا والشعب السوري كارثية.
مما لا شك فيه أيضاً أن التنسيق مع النظام الإيراني والتعاون معه في الحرب على داعش في العراق وسوريا، سواء كان ذلك سراً أم علانية، سيؤجج مشاعر العداء عند الأغلبية السنية في المنطقة.
بالفعل، يتزايد يوماً بعد يوم عدد السنّة في العراق وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها من دول المنطقة الذين يناصرون داعش وجبهة النصرة ويلتحقون بصفوفهما. لكن ذلك ليس بالضرورة لأنهم يؤمنون بإيديولوجيا هذه المجموعات، بل بسبب السنوات الطويلة من التهميش والقمع الذي عانوا منه في العراق على يد الجيش والميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً، وفي سوريا على يد نظام بشار الأسد المدعوم إيرانياً.
إن الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها “غير معنيين” بوقف أو مجابهة الهيمنة الطائفية المتزايدة للنظام الإيراني في المنطقة لن يؤدي سوى إلى زيادة شعبية مجموعات متطرفة كداعش، مما سيزيد من صعوبة هزيمتها، إن لم يجعلها مستحيلة. لا يُعقل أن يكون ذلك من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها.
ب. توصيات سياسية
1. معاملة المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام على أنها أراض محتلة من قبل إيران
– الإقرار علناً بأن الحرب في سوريا هي، قبل كل شيء، حرب مع النظام الإيراني والميليشيات التي يتحكم بها (حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية).
– التعامل مع الحرب في سوريا على أنها نزاع دولي طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري يخوضه الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي.
– تحميل النظام الإيراني المسؤولية عن الانتهاكات المتكررة لواجباته كقوة احتلال في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.
2. التحقيق في الدور الإيراني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا
– على جهات دولية مختصة ومستقلة أن تحقق في التورط المحتمل للنظام الإيراني، ولا سيما سباه قدس وقائده الجنرال قاسم سليماني، في مختلف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في سوريا منذ آذار/مارس 2011.
– إحالة الوضع في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا، بما في ذلك دور النظام الإيراني فيها.
– إضافة جميع المسؤولين الإيرانيين والهيئات الإيرانية المتصلة بالأعمال الإرهابية المرتكبة في سوريا إلى قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية، وفرض العقوبات المناسبة عليهم. وعلى هؤلاء أن يشملوا سباه باسداران وذراعه الخارجية سباه قدس، قوات الباسيج الإيرانية، حزب الله اللبناني، لواء أبو الفضل العباس وغيره من الميليشيات العراقية والأفغانية التي تقاتل في سوريا.
3. إنهاء سياسة “الاستنزاف البطيء” تجاه إيران وحزب الله
– على الولايات المتحدة وحلفائها إنهاء سياسة “الاستنزاف البطيء” التي يتبعونها مع النظام الإيراني وحزب الله اللبناني في سوريا وتبني سياسة تنهي الحرب والقتل والتهجير بأسرع وقت ممكن (انظر أدناه).
– التصريح علناً أن النظامين السوري والإيراني سهّلا واستخدما نشاطات مجموعات إرهابية مثل داعش واستخدماها لمصلحتهما. تخوّل القرارات التي سبق ذكرها أعلاه الولايات المتحدة وحلفاءها اتخاذ خطوات ضد هذين النظامين لدعمهما لهذه المجموعات.
4. أسس التفاوض المتوازن مع إيران
– ربط أية محادثات مع مسؤولين إيرانيين بخصوص التجارة أو برنامج إيران النووي مع تدخل النظام الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
– عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إذا لم يكفل النظام الإيراني حقوق الإنسان الأساسية في إيران وإذا لم يوقف دعمه العسكري والاقتصادي للنظام السوري وللميليشيات التي تقاتل في سوريا نيابة عنه. وعلى ذلك أن يشمل سحب سباه باسداران وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية من سوريا.
– إبقاء النظام الإيراني تحت ضغط سياسي واقتصادي كبير، ليس فقط حتى يتخلى عن برنامجه النووي العسكري بشكل كامل، بل كذلك حتى ينهي سياساته المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
5. اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء حمّام الدم في سوريا والمنطقة بشكل عام
– على الولايات المتحدة وحلفائها إعطاء النظام الإيراني إنذاراً نهائياً، لا تتجاوز مدته أربعة إلى ستة أشهر، لاتخاذ الخطوات التالية أو مواجهة عواقب جدّية:
- سحب قوات سباه باسداران وحزب الله اللبناني وبقية القوات والميليشيات التابعة له من سوريا؛
- وقف دعمه المالي والعسكري للنظام السوري؛
- أمر حزب الله اللبناني بحلّ جناحه العسكري ودمج مقاتليه بالجيش اللبناني؛
- السماح بتشكيل حكومة وجيش عراقيين يمثّلان بحق جميع أطياف المجتمع العراقي، وحلّ الميليشيات العراقية التي يسيطر عليها النظام الإيراني (لواء أبو الفضل العباس، عصائب أهل الحق، إلخ)؛
- إنهاء سياسته المزعزعة للاستقرار في اليمن ووقف كل أشكال دعمه للميليشيات الحوثية؛
- وقف دعمه المالي والعسكري للفصائل الفلسطينية المتطرفة في قطاع غزة (حماس والجهاد الإسلامي).
– خلال هذه المدة، على الولايات المتحدة وحلفائها دعم الثوّار السوريين المعتدلين بكل ما يلزم، ليس فقط لمحاربة داعش وجبهة النصرة ، بل كذلك قوات وميليشيات النظامين السوري والإيراني.
– على الولايات المتحدة وحلفائها إلقاء كامل ثقلهم وراء مساعدة المعارضة السورية المعتدلة لتتطور وتصبح ممثلاً مهنياً وفاعلاً للشعب السوري الذي يناضل من أجل دولة حرة ديمقراطية يسود فيها حكم القانون. وعلى هذا الدعم السياسي والعسكري أن يُقدّم عير قناة موحدة تشرف عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدلاً من تركه في يد لاعبين إقليميين ودوليين مختلفين وذوي أجندات متضاربة.
– إذا انتهت الأشهر الأربعة أو الستة هذه وفشل النظام الإيراني بتنفيذ المطالب المذكورة أعلاه، على الولايات المتحدة وحلفائها أن يضعوا على الطاولة مشروع قرار لمجلس الأمن تحت الفصل السابع يفرض وصول المساعدة الإنسانية بشكل آمن ودون أي عائق إلى جميع مناطق النزاع وجميع المدنيين المنكوبين في سوريا.
– إذا قامت روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) لإعاقة هذا القرار، فعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهما أن يتحركوا وحدهم من خلال فرض مناطق حظر جوي لضمان أمن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة وحماية المدنيين السوريين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
– على الولايات المتحدة وحلفائها التحرك ضمن إطار ما يعرف بعُرف “مسؤولية الحماية”:
- تقع على الدولة مسؤولية حماية سكانها من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- تقع على المجتمع الدولي مسؤولية مساعدة الدول في حماية سكانها.
- من الواضح أن نظام الأسد وداعميه الإيرانيين قد فشلوا في حماية السكان السوريين من الأعمال الوحشية الجماعية، كما فشلت جميع المحاولات الدبلوماسية في ذلك. لذا فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التدخل من خلال إجراءات قسرية مثل العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري.
- “مسؤولية الحماية” عرف وليس قانوناً، لكنّ له أسساً متينة في القانون الدولي، وخاصة في القوانين المتعلقة بالسيادة، الحرب والسلم، حقوق الإنسان والنزاعات المسلحة.
- يتمتع مجلس الأمن وحده بسلطة اللجوء إلى الخيار الأخير والتدخل عسكرياً.
الولايات المتحدة هي حالياً القوة العالمية الوحيدة القادرة على قيادة تحالف دولي ضد سياسات النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار وضد المجموعات المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة. لا يمكن لأي بلد آخر أن يعبّئ الموارد اللازمة ويمارس الضغط السياسي المطلوب لتحقيق ذلك.
تعتقد (نامه شام) أن تهديداً جدياً وذا مصداقية باستخدام القوة، إذا لم تستجب إيران لهذه المطالب، هو فقط ما سيجبر النظام الإيراني على إنهاء سياساته المزعزعة للاستقرار في سوريا والعراق ولبنان واليمن والتخلي عن جهوده لامتلاك القنبلة النووية، مرة وإلى الأبد.
غالباً ما ستبوء أية سياسات “ناعمة” أخرى بالفشل ولن تؤدي سوى إلى تقوية نفوذ سباه باسداران في المنطقة، الذي سيؤدي بدوره في المحصلة إلى فرض النظام الإيراني نفسه كقوة نووية، لأن أحداً لن يستطيع آنذاك منعه من امتلاك القنبلة النووية.