ملخص
يحاجج هذا التقرير أن نظام بشار الأسد السوري كان سينهار منذ أمد طويل لولا الدعم العسكري والاقتصادي الهائل الذي يتلقاه من النظام الإيراني منذ آذار/مارس 2011، في أعقاب اندلاع الثورة السورية.
ينبع هذا المستوى غير المسبوق من الدعم قبل كل شيء من مصالح النظام الإيراني الاستراتيجية، وفي مقدمتها المحافظة على إمكانية إرسال السلاح إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا، من أجل إبقائه رادعاً قوياً ضدّ أي هجوم على برنامج إيران النووي العسكري.
إحدى النتائج المترتبة على هذا التدخل الإيراني الكبير في الحرب في سوريا هي تغير نوعي في طبيعة العلاقة بين النظامين السوري والإيراني. فمن حليفين تاريخيين يتبادلان النفع والخدمات، بات النظام الإيراني اليوم عملياً سلطة احتلال في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام، والأخير لا يعدو أن يكون دمية في يد سباه باسداران (الحرس الثوري الإيراني) وذراعه الخاص بالعمليات الخارجية سباه قدس (فيلق القدس). لقد بات الجنرال قاسم سليماني، قائد سباه قدس، اليوم الحاكم الفعلي لـ “سوريا المحتلة من قبل إيران”.
علاوة على ذلك، يجادل المؤلفون أن نفوذ النظام الإيراني في سوريا غالباً ما سيستمر حتى بعد سقوط نظام الأسد لأنه يُمارس الآن بشكل رئيسي من خلال ميليشيات مدعومة من قبل النظام الإيراني تقاتل في سوريا نيابة عن النظام السوري. من المرجح أن العديد من هذه الميليشيات ستعيش أطول من الرئيس بشار الأسد ودائرته الضيقة.
النظام الإيراني في سوريا
من هذا المنطلق يتتبع الفصل الأول من التقرير الدور العسكري للنظام الإيراني في الحرب الحالية في سوريا، مُظهراً كيف نما هذا الدور تدريجياً من تقديم دعم استراتيجي وتقني لقوات النظام السوري في مواجهة المظاهرات الشعبية العارمة إلى التحكم الكامل باستراتيجية النظام السوري العسكرية وقيادة جميع حملاته العسكرية الكبرى.
ففي بدايات عام 2011، قام سباه قدس، بمشاركة عدد من أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بتشكيل “بعثة استشارية” لمساعدة النظام السوري في “أزمته” في أعقاب اندلاع الثورة. ويُقال إن من يترأس هذه البعثة هو القائد السابق لوحدات سباه باسداران في طهران، العميد حسين حمداني، وقائد سباه قدس اللواء قاسم سليماني. وقام هذان، وفقاً للتقارير، آنذاك بإرسال عدد من ضباط سباه باسداران ذوي خبرة في حرب العصابات وحرب المدن للإشراف على العمليات في سوريا وتوجيهها.
إحدى أولى الخطوات التي قام بها النظام الإيراني في هذا الصدد كان تشكيل ما يسمى بقوات الدفاع الوطني السورية على غرار قوات الباسيج الإيرانية، مستفيداً من خبرة الأخيرة في قمع الحركات الاحتجاجية في إيران، لاسيما تظاهرات عام 2009 المطالبة بالديمقراطية، والتي تُعرف بالحركة الخضراء. وكان أن أوكلت إلى قوات الدفاع السورية، التي تُعرف بين عامة السوريين بـ “الشبيحة”، مهمة القيام بأعمال النظام “القذرة” في قمع المظاهرات المناهضة للنظام بدلاً من الجيش النظامي، تماماً كما في إيران.
يفصّل التقرير في العديد من الأدلة والقرائن لإثبات هذا الزعم عن “حلقة الوصل الإيرانية” هذه، بدءاً بتصريحات واعترافات نادرة لمسؤوليين إيرانيين وانتهاء بشهادات لمسؤولين سوريين وعناصر ميليشيا خدموا تحت إمرة ضباط إيرانيين أو تلقوا تدريبات عسكرية في إيران. بالفعل، يظهر هذا الفصل من التقرير أن الدور الإيراني في تشكيل الشبيحة لم يقتصر على النصح، بل تعداه إلى تدريب وتسليح وتمويل هذه الميليشيا سيئة الصيت.
مع دفع الثورة باتجاه العسكرة وتحقيق قوات المعارضة المسلحة إنجازات عسكرية ملموسة على الأرض في أواسط عام 2012، اتخذ النظام الإيراني قراراً استراتيجياً بإرسال بعض الميليشيات الموالية له من لبنان والعراق للقتال في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري، بل حتى نيابة عنها.
يفصّل التقرير في أدلة وإثباتات متنوعة لدحض تصريحات إيران وحزب الله التي أنكرا فيها آنذاك الدور الذي لعبته هذه الميليشيات. كما يتتبع التطور التدريجي لدور هذه الميليشيات، من مساندة قوات الأسد إلى لعب دور قيادي في جميع المعارك الاستراتيجية الكبرى (القصير، حمص، يبرود، إلخ). ينظر هذا الفصل بالتفصيل في دور حزب الله اللبناني، الميليشيات الشيعية العراقية المختلفة، المقاتلين الأفغان وغيرهم من المقاتلين الشيعة الذين يدرّبهم ويموّلهم ويوجّههم سباه باسداران.
يجادل المؤلفون أن معركة القصير في ربيع 2013 كانت نقطة تحوّل كبرى في الحرب السورية. إذ عكست المعركة نقلة واضحة في استراتيجية النظام الإيراني العسكرية في سوريا: الإقرار، أو ربما فقدان الاهتمام، بإمكانية استعادة السيطرة على الأجزاء الشرقية والشمالية من البلاد، والتي أصبحت آنذاك تحت سيطرة الثوّار. بدلاً من ذلك، كان يجب التركيز من الآن فصاعداً على تعزيز سيطرة النظامين السوري والإيراني على دمشق وما حولها، حمص وما حولها (والتي تربط العاصمة بالمنطقة الساحلية) ومنطقة القلمون (التي تربط بين المنطقتين السابقتين وتربط كليهما بلبنان).
ويضيف المؤلفون أن الهدف من هذه الاستراتيجية كان تأمين العاصمة، التي كان سقوطها سيُعتبر بمثابة سقوط للنظام، وتأمين ممر دمشق-حمص من أجل ضمان استمرارية جغرافية وديمغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وكذلك لتأمين استمرار تدفق السلاح إلى حزب الله في لبنان، في الوقت الذي يُقطع فيه تدفق السلاح إلى الثوار من شرقي لبنان.
أما الدور القيادي في هذه المعارك الرئيسية فسيُسند إلى حزب الله والميليشيات الأخرى المدعومة من قبل النظام الإيراني، والتي يعتبرها الأخير أكثر تنظيماً وأكثر جدارة بالثقة من الجيش النظامي السوري. في هذه الأثناء، سيستمر طيران النظام السوري بقصف المناطق التي يسيطر عليها الثوار في الشمال والشرق عن بعد، من أجل إدامة حالة الحرب في تلك المناطق وجعل الحياة هناك لا تُطاق. حملة البراميل المتفجرة على حلب أوضح مثال على ذلك.
علاوة على ذلك، يقول المؤلفون إن هذا الدور القيادي المسند للميليشيات المدعومة إيرانياً من المرجح أن يستمر حتى بعد سقوط النظام السوري. بالفعل، سبق لعدد من المحللين أن جادل أن استراتيجية النظام الإيراني في سوريا تتجاوز إنقاذ نظام الأسد وتشمل تجضيرات لمرحلة ما بعد الأسد، حين ستستمر هذه الميليشيات التي يتحكم بها النظام الإيراني بممارسة نفوذها على الأرض وبخدمة مصالح النظام الإيراني.
يقدّم الفصل أمثلة عديدة على انتهاكات حقوق إنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في سوريا من قبل هذه الميليشيات والقوات التي يتحكم بها النظام الإيراني، مشيراً إلى سبل إمكانية محاكمة الأخير لدوره في هذه الجرائم. ويجادل المؤلفون أن هناك ما يكفي من الأدلة – وقد تم بالفعل التفصيل في بعضها في هذا التقرير – لمحاكمة القيادات العسكرية والسياسية للنظام الإيراني لاشتراكه في هذه الجرائم على مستويات عدة، بدءاً بـ “التحريض على” و”تبنّي” أفعال معينة، وانتهاء بـ “المساعدة والتحريض” على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أحد الأمثلة التي يتضمنها الفصل، وربما أكثرها أهمية، هو المجزرة الكيميائية في الغوطة، قرب دمشق، في آب/أغسطس 2013. ويفصّل المثال في ثلاثة أنواع من الأدلة والقرائن التي تشير بقوة إلى احتمال اشتراك سباه باسداران في ارتكاب هذه المجرزة وغيرها من المجازر الكيميائية في سوريا خلال عامي 2013 و2014. تتمحور القرائن حول ثلاثة أسئلة:
* هل كان النظام الإيراني على علم مسبق بخطة تنفيذ الهجمة؟
* هل استُخدمت فيها أسلحة إيرانية؟
* ماذا كان دور الميليشيات العراقية في مجزرة الغوطة؟
بناء على ذلك يدعو المؤلفون المؤسسات الدولية المختصة للنظر في الدور المحتمل الذي قد يكون النظام الإيراني، ولا سيما اللواء قاسم سليماني، لعبه في هذه المجزرة، التي تمخضت عن الصفقة الدولية المثيرة للجدل بخصوص ترسانة الأسلحة الكيميائية للنظام السوري.
هذا ويُعتبر العديد من هذه الجرائم كذلك أعمالاً إرهابية (لأنها كانت مسبقة التخطيط، سياسية الدافع، استهدفت مدنيين وليس عسكريين، ونفذتها ميليشيات غير نظامية وليس قوات مسلحة نظامية). لذا يدعو المؤلفون إلى إضافة جميع المسؤولين والهيئات الإيرانية المتورطة إلى قوائم الإرهاب وفرض العقوبات المناسبة عليهم.
بالفعل، يفرد المؤلفون قسماً كاملاً من هذا الفصل للنظر في علاقات النظامين السوري والإيراني مع المجموعات الإسلامية المتطرفة مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة. وبعد التفصيل في أدلة وقرائن متنوعة، يخلص المؤلفون إلى أن كلا النظامين قد اخترق واستخدم وتعامل مع هذه المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة من أجل حرف مسار الثورة السورية في اتجاه العسكرة والطائفية ومن أجل تبرير أعمالهما العسكرية ضد المتظاهرين والثوار.
وهذه مسألة هامة اليوم، في النصف الثاني من عام 2014، إذ يحاول كلا النظامين أن يبيع نفسه كشريك في الحملة الدولية الجديدة ضد المجموعات الإسلامية الإرهابية، خاصة بعد صدور قرار من مجلس الأمن بخصوص داعش والنصرة في آب/أغسطس 2014 وإعلان الرئيس الأمريكي الحرب على داعش في العراق وسوريا في أيلول/سبتمبر 2014.
أخيراً، ينظر الفصل الأول أيضاً في دور المقاتلين الإيرانيين والأسلحة الإيرانية في سوريا ويتتبع رحلتهما – كبقية أوجه التدخل العسكري الإيراني في سوريا – من إنكار المسؤوليين الإيرانيين في البداية، مروراً باعترافات متقطعة، وانتهاء بالظهور التدريجي لأدلة لا يمكن إنكارها.
سوريا تحت احتلال عسكري
يبني الفصل الثاني من التقرير على هذه التفاصيل ويجادل أن الحرب في سوريا نزاع دولي طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي (من قبل النظام الإيراني) ونضال تحرري من قبل الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي.
يبدأ الفصل بمناقشة قانونية عن ماهية ومقومات الاحتلال العسكري كما تعرّفه اتفاقيات لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وفيما إذا كان وجود النظام الإيراني في سوريا يشكّل احتلالاً أجنبياً.
وبعد استعراض عدد من الأدلة والأمثلة لدعم زعمهم هذا، بما في ذلك تصريحات لمسؤوليين إيرانيين، يخلص المؤلفون إلى أن للحرب في سوريا اليوم جميع خصائص النزاعات الدولية. وفي أسوأ الأحوال، يقترحون أن تُعامل الحالة السورية على أنها ما يُدعى أحياناً “احتلال مع وجود حكومة محلية في منصبها”.
كما ينوّه المؤلفون إلى إمكانية استخدام المادة 1 من البروتوكول الإضافي رقم 1 لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة، والذي ينصّ على أن النزاعات تُعتبر دولية حين تقع بين دولة وسلطة تمثّل شعباً “يقاتل ضد هيمنة استعمارية واحتلال أجنبي وضد أنظمة عنصرية من أجل ممارسة حقهم في تقرير المصير.”
ينظر المؤلفون بعد ذلك في كيفية ممارسة النظام الإيراني لهذا الاحتلال – على نحو مباشر من خلال قواته المسلحة وميليشياته، وعلى نحو غير مباشر من خلال النظام السوري الدمية. يقتضي الشكل الأول وجود تراتبية عسكرية إيرانية واضحة ومحددة في سوريا، وهو ما يحاول المؤلفون بناءه من خلال المعلومات المتوافرة.
السؤال الآخر المهم في هذا الصدد هو تحديد الشخص أو الأشخاص من النظام السوري ودائرة الأسد الضيقة الذين ينسقون مع القادة العسكريين الإيرانيين، وإن كان تدخل هؤلاء الأخيرين في سوريا قد تمخض عن أية تغييرات في بنى مؤسسات الدولة السورية وتراتبيتها الهرمية.
للإجابة على هذا السؤال، ينظر المؤلفون في ضمّ واستبعاد مسؤوليين حكوميين وعسكريين سوريين بناء على رغبات وأوامر النظام الإيراني. وكمثال على ذلك، ينظرون معمقاً في حادثة اغتيال عدد من كبار المسؤوليين الأمنيين والعسكريين السوريين من ما كان يدعى بـ “خلية الأزمة” في تموز/يوليو 2012.
بناء على معلومات سُربت إليهم من قبل مصدر رفيع المستوى وموثوق في المعارضة السورية، نقلاً عن مسؤولين في أجهزة استخبارات غربية، بالإضافة إلى إعادة النظر في عدد من القرائن الظرفية المتعلقة بالقضية، يخلص المؤلفون إلى أن عملية الاغتيال لم تكن لها علاقة بالجيش السوري الحرّ ومجموعات المعارضة السورية المسلحة الأخرى، كما زعمت تقارير إخبارية في حينه؛ بل إن من ارتكبها كان سباه باسداران، بأوامر مباشرة من الجنرال قاسم سليماني نفسه في الغالب.
وكان المصدر السوري المعارض قد نقل لنامه شام أن عدداً من أعضاء “خلية الأزمة” كان قد فتح خطوطاً مع دول خليجية وغربية بهدف عقد صفقة من خلف ظهر إيران. لكن سباه باسداران كان لهم بالمرصاد ومنع إتمام الصفقة. ومنذ ذلك الحين يبدو أن بشار الأسد تحت قبضة النظام الإيراني بشكل كامل، بل إنه عملياً رهينة لديهم.
يقترح المؤلفون خطاباً جديداً عن الثورة السورية والوضع الحالي في سوريا، بالإضافة لمجموعة من المطالب، في ضوء هذا الواقع الجديد. يجب التعامل مع الحرب في سوريا، على حدّ قولهم، على أنها نزاع دولي يسوّغ تطبيق اتفاقيات جنيف الرابعة، ويجب اعتبار المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام مناطق محتلة – ليس مجازاً وإنما بالمعنى القانوني الدقيق للكلمة.
إن الاعتراف بالحرب السورية كنزاع دولي يشارك فيه احتلال أجنبي وشعب يناضل من أجل تحرره قد يقدّم كذلك “سلاحاً قانونياً” قوياً ضد النظام الإيراني، ألا وهو أن هذا النظام يقترف “انتهاكات خطيرة” لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تُعتبر جرائم حرب أخطر من تلك التي عرض لها الفصل الأول من التقرير. ذلك أن على إيران، باعتبارها سلطة احتلال، “واجبات” معينة تجاه الشعب السوري الذي يرزح تحت احتلالها، وفقاً للقانون الدولي.
ثمة ما يكفي من الأدلة – وقد عُرض بعضها في هذا التقرير – لإثبات أن النظام الإيراني وقواته وميليشياته التي تقاتل في سوريا قد انتهكت هذه الواجبات بشكل متكرر من آذار/مارس 2011.
على سبيل المثال، يُعتبر هدم الممتلكات العامة والخاصة في أنحاء شاسعة من سوريا، والذي لا تبرره الحرب (ضد مسلحي المعارضة) في الكثير من الحالات، يُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. كذلك يُعتبر إخلاء قرى وأحياء كاملة من سكانها في حمص وغيرها من المدن السورية، وتقارير عن تسجيل هذا العقارات التي أجلي أصحابها بأسماء مناصرين للنظامين السوري والإيراني مُستقدمين من مناطق أخرى (بمن فيهم أجانب كالمقاتلين الأفغان)، تُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 49، وقد ترقى حتى للتطهير العرقي.
أخيراً، يقترح المؤلفون بناء على هذا الخطاب الجديد مجموعة من المطالب الموجهة للاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة وحلفائهما في مجموعة “أصدقاء سوريا”، وكذلك للأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى.
ويرى المؤلفون أنه ما لم تتوحد المعارضة السورية في الدفع باتجاه الاعتراف بالحرب السورية على أنها نزاع دولي، فإن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ستستمر في سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تتبعها حالياً تجاه إيران، ولن تعترف علناً أن الحرب في سوريا هي أساساً حرب ضد النظام الإيراني، وذلك كي تتجنب اتخاذ إجراءات ملموسة من شأنها أن تضع حداً لحمّام الدم الجاري في سوريا والمنطقة بشكل عام.
فيتنام إيران
يسلّط الفصل الثالث والأخير الضوء على جانبين رئيسيين مما يسميه المؤلفون “فيتنام إيران”، ألا وهما التكاليف الاقتصادية والبشرية للحرب السورية على إيران، وأثرهما على الاقتصاد الإيراني وعامّة الإيرانيين.
يتتبع المؤلفون الدعم المالي والاقتصادي الهائل الذي يقدّمه النظام الإيراني لنظيره السوري، والذي حال دون انهيار الأخير اقتصادياً، بعكس ما كان قد توقعه الكثير من المحللين. بالإضافة إلى تكاليف الأسلحة الإيرانية والمقاتلين الإيرانيين والميليشيات التي أرسلت إلى سوريا، يركز المؤلفون بشكل خاص على القروض المالية وخطوط الائتمان الإيرانية، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وكيف تم استخدامها من قبل النظام السوري.
ينظر المؤلفون بعد ذلك في تأثير هذا الصرف على الاقتصاد الإيراني وعامة الإيرانيين، رفقاً مع أثر العقوبات الدولية على إيران وتكاليف برنامج إيران النووي. ذلك أن هذه القضايا الثلاث لا يمكن فصلها بعضها عن بعض، كما يجادل المؤلفون مطولاً.
أحد مؤشرات هذا العبء الهائل على الاقتصاد الإيراني هو معدل التضخم، الذي زاد أكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 2009 و2014، وزاد بمقدار 10 بالمئة منذ بدء الحرب في سوريا عام 2011. النتيجة أن ثلث الإيرانيين تقريباً (31 بالمئة) يعيشون تحت خط الفقر عام 2014.
ومع ذلك، في الوقت الذي تقطع فيه مساعدات الوقود عن مواطنيها، ما برحت إيران ترسل ملايين البراميل النفطية إلى سوريا بأسعار مخفضة، ويدفع النظام السوري ثمنها من خلال خط ائتمان إيراني. وفي الوقت الذي تخفّض فيه من المساعدات الاجتماعية لقرابة 60 مليوناً من سكانها الفقراء، ما برحت إيران ترسل ملايين الأطنان من الغذاء والنقود إلى سوريا.
رغم احتفاء وسائل الإعلام الإيراني بـ “إنجازات” الرئيس حسن روحاني الاقتصادية، يجادل المؤلفون أن مشاكل إيران الاقتصادية لن تختفي في الغالب في المستقبل القريب إلا إذا حدثت تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية الإيرانية. وهو أمر ليس حتماً في مقدور الرئيس روحاني، بل هو في يد المرشد الأعلى علي خامنئي وسباه باسداران. وينطبق الأمر نفسه على حزب الله اللبناني.
الوجه الآخر لفيتنام إيران السورية هو تصاعد أعداد قتلى سباه باسداران وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية في سوريا. ينظر الفصل كذلك في المعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع، وهي معلومات محدودة باعتراف المؤلفين.
سبب ذلك أن سباه باسداران وحزب الله كانا منذ بداية الحرب، ولا يزالان حتى الآن، كتومين جداً بخصوص خسائرهما البشرية في سوريا. إذ فعل ويفعل كلاهما كل ما في وسعه لإخفاء هذه المعلومات عن العموم لأنها قد تُظهر مدى انخراطه في الحرب السورية. كما أنها قد تكشف مدى خسائره، الأمر الذي قد يكون له أثر سلبي على معنويات مناصريه. إن إخفاء أدلة كهذه تكتيك حربي كلاسيكي يهدف إلى تجنب الضغط العام لـ “إعادة أولادنا إلى بيوتهم” قبل أن يموتوا هم أيضاً هناك.
إذا كان من الواضح أن النظام الإيراني قد اتخذ قراراً بالمضيّ في مغامرته السورية مهما كلّف الأمر، فإن “فيتنامه السورية” هذه ليست نتيجة لهذا الخيار وحده. بل هي أيضاً سياسة أمريكية وغربية مدروسة يطلق عليها مؤلفو التقرير وصف “الاستنزاف البطيء لإيران في سوريا”.
ينظر الفصل الثالث في هذه الاستراتيجية، مستشهداً بأقوال الرئيس باراك أوباما ومسؤوليين أمريكيين آخرين. ويجادل المؤلفون أن سياسة الاستنزاف هذه إنما تُطبّق على حساب الشعب السوري وشعوب المنطقة بشكل عام، التي تدفع ثمناً باهظاً لا يتناسب مع المكتسبات السياسية لهذه السياسة، وأنها ستقود حتماً إلى المزيد من انعدام الاستقرار والتطرف في المنطقة والعالم أجمع.
بتعبير آخر، إن آمال السياسيين الغربيين بأن تقود حرب وكالة مع النظام الإيراني في سوريا، إلى جانب عقوبات اقتصادية تشلّ الاقتصاد الإيراني، أخيراً إلى إضعاف النظام الإيراني وربما انهياره (أي “الفوز بالحرب السورية في شوارع طهران”) هي تفكير رغبويّ في أحسن الأحوال.
ربما يكون صحيحاً أن سوريا قد أصبحت “فيتنام إيران” وأن إيران “تنزف” في سوريا، على حدّ تعبير المؤلفين، لكن النظام الإيراني قد يكون قادراً على النزف لوقت طويل بعد، أطول كثيراً مما يستطيع الشعب السوري تحمله.