5. سبل قانونية
محكمة الجنايات الدولية
أسست اتفاقية روما عام 1998 محكمة الجنايات الدولية، تتويجاً للمحاكم الدولية الخاصة في نورمبرغ، يوغسلافيا السابقة وروندا، وذلك للتعامل مع “أشد الجرائم خطورة التي هي موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره” (المادة 5). وتشمل هذه الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة الإبادة الجماعية، وجريمة العدوان.1
تندرج الجرائم التي يناقشها هذا التقرير ضمن الفئتين الأولى والثانية. لذلك فهي تقع، من حيث المبدأ، ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية. “من حيث المبدأ” لأن سوريا وإيران ليستا عضوين في المحكمة (أي أنهما لم تصادقا على اتفاقية روما)، لذا فالمحكمة لا تستطيع أن تمارس صلاحياتها بخصوص الجرائم المرتكبة في سوريا، إلا إذا أحيلت القضية إليها من قبل مجلس أمن الأمم المتحدة.
هناك أربع طرق، تفصلها المادتان 12 و13 من الاتفاقية، لشروع المحكمة في إجراءاتها القضائية بخصوص واحدة أو أكثر من الجرائم التي تقع ضمن اختصاصها:
1. أن تحيل دولة طرف في الاتفاقية، أو تصبح طرفاً، إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من اختصاص المحكمة قد ارتكبت.
2. أن تقبل دولة ليست طرفاً في الاتفاقية ممارسة المحكمة لاختصاصها بموجب إعلان أحادي الطرف يودع لدى سجّل المحكمة.
3. أن يبدأ المدّعي العام للمحكمة بمباشرة تحقيق من تلقاء نفسه بخصوص جريمة أو أكثر تقع صمن اختصاص المحكمة.
4. أن يحيل مجلس الأمن الحالة إلى المدعي العام للمحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.2
في الحالات الثلاث الأولى، يجب أن تقع الجريمة أو الجرائم المعنية ضمن اختصاص المحكمة من حيث النوع والحجم، وأن تكون هذه الجريمة أو الجرائم قد وقعت على أراضي الدولة المعنية أو ارتكبت من قبل أحد رعاياها، وأن تكون هذه الدولة طرفاً في الاتفاقية أو تقبل بممارسة المحكمة لاختصاصها بموجب اتفاق أحادي الطرف. أما السيناريو الرابع فلا يتطلب أياً من هذه الشروط.
لا سوريا ولا إيران طرف في اتفاقية روما (إيران وقّعتها عام 2000 لكنها لم تصادق عليها)، ومن المستبعد أن حكومة أي من البلدين ستوقع إعلاناً أحادي الطرف يسمح للمحكمة بممارسة اختصاصها بخصوص جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت على الأراضي السورية من قبل رعايا سوريين و/أو إيرانيين. يعني ذلك أن جرائم كهذه لا تقع عملياً ضمن اختصاص المحكمة، إلا إذا أحيلت القضية إلى المدعي العام من قبل مجلس الأمن، كما فعل في حالة دارفور عام 2005 وليبيا عام 2011. لكن هذا الاحتمال أيضاً يبدو مستبعداً حالياً بسبب الفيتو الروسي و/أو الصيني شبه المؤكد.
بالفعل، قدّمت فرنسا في أيار/مايو 2014 مقترح قرار لمجلس الأمن 3 يمنح محكمة الجنايات الدولية السلطة للتحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سوريا. لكن روسيا والصين أجهضتا القرار باستخدام حق النقض (الفيتو)، رغم أن غالبية أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر كانوا موافقين عليه. وكانت ذريعتهما أن القرار “فكرة سيئة”، “في غير وقته” و”سيؤدي لنتائج عكسية.” وكانت هذه المرة الرابعة التي تستخدم فيها روسيا والصين معاً حق النقض ضد قرار يتعلق بسوريا.
قبل ذلك كانت 58 دولة قد أصدرت بياناً طالبت فيه مجلس الأمن بتبني القرار الفرنسي، وكذلك فعلت حوالي 100 منظمة غير حكومية من جميع أنحاء العالم. كما أن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أوصى مجلس الأمن في مناسبات عدة بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية.
على كل حال، ربما تكون هناك طريقتان لتجاوز هذا المأزق. تتعلق الأولى بالجرائم المرتكبة في سوريا من قبل رعايا دول أطراف في اتفاقية روما. هناك عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري وتحت إمرة قادة عسكريين إيرانيين. من المرجح أن العديد منهم قد ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هناك، والعديد منهم من رعايا دول مصادقة على اتفاقية روما أو يمكن أن توافق على ممارسة المحكمة لاختصاصها بخصوص رعاياها. مقاتلو الميليشيات الشيعية الأفغانية مثال جيد على ذلك (أفغانستان طرف في الاتفاقية).
بالطبع يتطلب هذا السيناريو جمع وتقديم أدلة ملموسة وموثوقة تتعلق بهؤلاء الرعايا بالتحديد، وقد يحدّ ذلك من مجال التحقيق ليقتصر على هؤلاء المقاتلين وتلك الجرائم – إلا إذا أُخذت مسؤولية القيادة بعين الاعتبار كجزء من التحقيق، كما بيّنا أعلاه.
الإمكانية الأخرى هي أن تقوم جهة سورية معارضة مُعترف بها كممثل للشعب السوري، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مثلاً، بالانضمام إلى اتفاقية روما ثم إحالة القضية إلى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية.
الائتلاف – أو أي تشكيل سوري معارض آخر – ليس حكومة تقليدية، لكن المحكمة قد تقبل مع ذلك عضويته كممثل شرعي للشعب السوري، كما فعلت مع السلطة الفلسطينية في أوائل 2015 (المزيد عن هذه النقطة أدناه).
تجدر الإشارة إلى أنه، حتى لو قُبلت عضوية المعارضة السورية، فإن المحكمة يمكن أن تمارس اختصاصها فقط قيما يخصّ الجرائم التي تُرتكب بعد تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بالنسبة للعضو الجديد (انظر المادة 11).
اتفاقيات جنيف
سبقت الإشارة إلى أن المادة 1(4) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف تنصّ على أن النزاعات المسلحة تُعتبر دولية إذا وقعت بين دولة ما وسلطة تمثل شعباً “يناضل ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارسته لحقه في تقرير المصير.”4
وهذه هي الحال في سوريا، في تقديرنا. لكن من أجل البدء بتطبيق هذه المادة – أي الإقرار بأن النزاع في سوريا نزاع دولي بين احتلال أجنبي وشعب يناضل من أجل حريته واستقلاله – يجب على سلطة تمثّل الشعب السوري الذي يناضل من أجل حريته واستقلاله، ومُعترف بها دولياً، مثل الائتلاف أو أي تشكيل معارض جامع آخر، أن يرسل تصريحاً أحادي الجانب إلى المجلس الاتحادي السويسري (أمانة الإيداع الخاصة باتفاقيات جنيف) يصرّح فيه بذلك ويعبّر فيه عن رغبته بتوقيع هذا البروتوكول بالإضافة لاتفاقيات جنيف الأربع.5
تترتب على تصريح كهذا بعد استلامه من قبل أمانة الإيداع، المادة 96 من البروتوكول الإضافي الأول، النتائج التالية فيما يخصّ النزاع المعني:
أ) تدخل اتفاقيات جنيف وهذا البروتوكول حيز التطبيق بالنسبة للسلطة المذكورة بوصفها طرفاً في النزاع، وذلك بأثر فوري.
ب) تمارس السلطة المذكورة الحقوق ذاتها وتتحمل الالتزامات عينها التي لطرف سام متعاقد في الاتفاقيات وهذا البروتوكول.
ج) تلزم الاتفاقيات وهذا البروتوكول أطراف النزاع جميعاً على حدّ سواء.
تجدر الإشارة إلى أن إيران قد وقعت لكنها لم تصادق على البروتوكول الأول، ما يعني أنها ليست ملزمة به قانونياً. لكن سوريا صادقت عليه، وكلا البلدين طرف في اتفاقيات جنيف الأربع. علاوة على ذلك، تنصّ المادة 99 من البروتوكول الأول على أنه:
1. إذا تحلل أحد الأطراف السامية المتعاقدة من الالتزام بهذا البروتوكول، لا يسري هذا التحلل من الالتزام، إلا بعد مضي سنة على استلام وثيقة تتضمنه. ومع ذلك، إذا كان الطرف المتحلل من التزامه عند انقضاء هذه السنة مشتركاً في وضع من الأوضاع التي أشارت إليها المادة الأولى، فلا يصبح التحلل من الالتزام نافذاً قبل نهاية النزاع المسلح أو نهاية الاحتلال، وعلى أية حال، قبل انتهاء العمليات الخاصة بإخلاء سبيل الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقيات نهائياً أو إعادتهم إلى أوطانهم أو توطينهم.
أما بخصوص مسألة إن كان الائتلاف أو غيره من تشكيلات المعارضة السورية ممثلاً شرعياً للشعب السوري، تجدر الإشارة إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 67/262 بتاريخ 15 أيار/مايو 2013، الذي
يرحب بإنشاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 في الدوحة، باعتباره يضم المحاورين الذين يمثلون فعلياً تلك القوى اللازمة لعملية الانتقال السياسي، وبالالتزام الذي أعرب عنه في بياناته المؤرخة 15 و23 شباط/فبراير 2013 و20 نيسان/أبريل 2013 بمبدأ الانتقال السياسي المفضي إلى جمهورية عربية سورية مدنية ديمقراطية تعددية…6
وكان الاجتماع الوزاري الرابع لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، والذي يمثل حوالي 130 دولة، قد اعترف بالائتلاف “ممثلاً شرعياً للشعب السوري”، كما فعل لاحقاً حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. أما إن كان الائتلاف الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، فتلك قضية لا تزال محل جدل وخلاف.
المحاكم المحلية
ربما يكون هناك طرق أسهل لرفع دعاوى ضد المسؤولين السوريين والإيرانيين المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. على سبيل المثال، يمكن لأي مواطن أوروبي أو مقيم في دولة أوروبية كان ضحية لانتهاك معين لحقوق الإنسان أو جريمة ضد الإنسانية في سوريا، يمكن له أن يرفع دعوى قضائية أمام المحاكم المحلية في أوروبا في إطار ما يُعرف بالولاية القضائية العالمية، التي تسمح بمحاكمة الأشخاص بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة المزعومة وهوية المتهم بارتكابها أو مكان إقامته. أو يمكن أن يرفع المرء دعوى قضائية ضد جنود أو مقاتلين منخفضي الرتبة متورطين في جريمة ما ومحاولة إثبات علاقتهم مع قادة عسكريين أعلى رتبة، أو حتى رأس النظام السوري أو الإيراني، من خلال محاولة إثبات تورط هؤلاء في المساعدة والتحريض على الجريمة، إصدار أوامر مباشرة، مسؤولية القيادة وما إلى ذلك.
ملاحظات ومراجع:
1 تم الاعتراف بجريمة العدوان باعتبارها جريمة دولية في مؤتمر روما، لكن الخطوة الثانية التي تسمح للمحكمة بممارسة صلاحياتها بخصوص هذه الجريمة تنتظر تطبيق بضع شروط تنص عليها المادتان 121 و123. إذ يجب أن يكون هناك إجماع شبه كامل على تعريف العدوان، كما يجب توضيح العلاقة بين محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن. وسيتم تبني هذا التعريف والتوضيح في مؤتمر تعديل لن يعقد قبل انقضاء سبع سنوات على بدء العمل باتفاقية روما وبعد توقيع 60 دولة على الأقل.لا تزال القضية قيد النقاش.
2 على عكس المحاكم الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة ورواندا، محكمة الجنايات الدولية ليست جزءاً من الأمم المتحدة. لذلك لا تنطبق عليها اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1945. وقد تم التوقيع على اتفاق بين الطرفين بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2004.
3 انظر هنا.
4 انظر هنا.
5 تجدون مثالاً على تصريح كهذا على الرابط التالي.
6 انظر هنا.