4. النزاعات الدولية والنزاعات غير الدولية
يميّز القانون الإنساني الدولي بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. إذ تُعرّف النزاعات الدولية في المادة 2 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع بأنها:
جميع حالات الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة [أي الدول]، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.
تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.
أما النزاعات المسلحة غير الدولية فتُعرّف في المادة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني، والذي طوّر وكمّل المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، بأنها:
جميع النزاعات المسلحة … التي تدور على أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس، تحت قيادة مسؤولة، السيطرة على جزء من إقليمه بحيث يمكنها ذلك القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وبحيث تستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.
تُلزم المادة 3 الأطراف المشاركة في نزاع مسلح غير دولي بعدد من الأحكام المتعلقة بالمعاملة الإنسانية للأشخاص الذين لا يشاركون بشكل فاعل في الحرب، بمن فيهم المقاتلون الذين ألقوا أسلحتهم. لكن لا تنطبق المادة 3 المشتركة ولا البروتوكول الإضافي الثاني على حالات “الاضطرابات والتوترات الداخلية، مثل الشغب وأعمال العنف العرضية والمتفرقة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة،” إذ لا تُعتبر هذه نزاعات مسلحة.
في تقرير سابق لـ (نامه شام) عن دور إيران في سوريا، صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، 1 جادل المؤلفون أنه يجب التعامل مع الحرب المستمرة في سوريا باعتبارها نزاعاً مسلحاً دولياً طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري من قبل الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي. واستندت المجادلة إلى الملاحظات التالية:
1. لا يقتصر التدخل الإيراني في سوريا على دعم الحكومة السورية وقواتها المسلحة، الأمر الذي يجادل خبراء قانونيون أنه غير كاف لاعتبار نزاع مسلح نزاعاً دولياً. إذ قام ويقوم النظام الإيراني، ولا سيما سباه باسداران (الحرس الثوري الإيراني)، بتسليح وتدريب وتوجيه قوات سورية غير نظامية (الشبّيحة وقوات الدفاع الوطني)، بالإضافة إلى القوات الإيرانية غير النظامية التي تقاتل في سوريا (سباه قدس والباسيج) وسائر الميليشيات الأخرى التي يدعمها ويتحكم بها النظام الإيراني (حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية) والتي تلعب اليوم دوراً قيادياً في جميع العمليات العسكرية الكبرى في مناطق معينة من سوريا .
2. لقد تدخلت كذلك دول أخرى (الولايات المتحدة، تركيا، السعودية، قطر، إلخ) في سوريا إلى جانب الثوار السوريين. وقد لعبت جميع هذه الدول دوراً في “تنظيم، تنسيق وتخطيط الأنشطة العسكرية التي تقوم بها جماعة مسلحة غير حكومية.” وهذا بحد ذاته كاف لتدويل نزاع مسلح (أي اعتباره دولياً)، بحسب قرار المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في قضية “تاديتش” عام 1995، من بين قضايا أخرى.
3. لم تعد الحدود الجغرافية للحرب السورية تقتصر على الأراضي السورية، بل تعدتها في بعض الأحيان، وبشكل متزايد، إلى دول الجوار، وخاصة لبنان والعراق.
4. لا يقتصر التدخل الإيراني وغيره على استهداف جماعات مسلحة غير حكومية وعملياتها العسكرية وبناها التحتية، بل استهدف أيضاً، وبشكل متعمد في كثير من الأحيان، مدنيين سوريين وبنى تحتية مدنية. وهذا بحد ذاته، وفقاً لخبراء قانونيين، يكفي لاعتبار نزاع مسلح نزاعاً دولياً.
5. تخضع أجزاء شاسعة مما يسمى بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا اليوم عملياً لسيطرة القوات المسلحة الإيرانية والميليشيات التي يتحكم بها النظام الإيراني. ويمكن المجادلة أن هذا الأمر يرقى إلى احتلال عسكري كما تعرّفه اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
6. يمكن كذلك اعتبار الحرب في سوريا نزاعاً مسلحاً دولياً وفقاً للمادة 1(4) من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، لأن الحرب الآن تخصّ شعباً ممثلاً بسلطة معترف بها دولياً (تشكيلات المعارضة السورية الجامعة) يناضل ضد “التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي” الذي يمثله النظام الإيراني وميليشياته في سوريا.
على أساس هذه الملاحظات، جادل المؤلفون في التقرير المذكور أنه يجب اعتبار الحرب الحالية في سوريا نزاعاً مسلحاً دولياً أو، على الأقل، نزاعاً داخلياً ودولياً في الوقت نفسه. كما يمكن التعامل مع الوضع الحالي في سوريا على أنه “احتلال أجنبي مع وجود حكومة محلية في السلطة.”
لكن حتى دون اعتراف دولي كهذا، يمكن تطبيق القوانين الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة على الحالة السورية، كما سنبيّن أدناه، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض القضايا التقنية والقانونية التي سنناقشها في القسم التالي.
إن اعتبار انتهاكات أطراف النزاع للقوانين الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة في حالات النزاعات غير الدولية جرائمَ حرب أمر حديث العهد نسبياً. إذ كانت المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة أول من طوّر مفهوم جرائم الحرب خلال النزاعات غير الدولية على أساس القانون الدولي العرفيّ، متغلبة بذلك على الاعتراضات التي كانت الدول الأعضاء قد أبدتها عند كتابة مسودة اتفاقيات جنيف من باب السيادة الوطنية.
بعد عامين من ذلك، اعتبرت المحكمة الدولية الخاصة بروندا أن انتهاك المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني تقع ضمن اختصاصها (هناك إجماع بين المختصين أن النزاع في روندا في التسعينات كان نزاعاً مسلحاً غير دولي، بالمعنى الذي تحدده المادة 3 المشتركة والبروتوكول الإضافي الثاني).
وقد تتوجت هذه الجهود في نهاية المطاف باتفاقية روما، التي تنطبق كذلك على “النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية، مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة. وتنطبق على النزاعات المسلحة التي تقع على أراضي دولة ما عندما يكون هناك صراع مسلح مُطوّل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة، أو بين هذه الجماعات نفسها.”
من الواضح أن النزاع في سوريا “مطوّل”، إذ أنه لا يزال مستمراً منذ آذار 2011. أما بخصوص “الجماعات المسلحة المنظمة”، فهي معرّفة، كما سبقت الإشارة، في المادة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني بأنها مجموعات “تسيطر، تحت قيادة مسؤولة، على جزء من إقليم [الدولة] بما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة وبحيث تستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.” وهذا ينطبق على غالبية فصائل المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل ضد قوات النظام السوري.
لذا يمكن المجادلة أن اتفاقية روما وجميع القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة، بما فيها اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولات الملحقة بها، يجب أن تُطبق على الحالة السورية من حيث المبدأ، خاصة وأنه من المستبعد جداً أن تقوم الحكومتان السورية والإيرانية يوماً راغبة بفتح تحقيقات ودعاوى مستقلة وحيادية، ليست مسرحيات الهدف منها التغطية على المجرمين الحقيقيين وتبرئتهم من مسؤولياتهم الجنائية عن الجرائم التي ارتكبوها (انظر المادة 17 من اتفاقية روما). ونقول إن هذه القوانين يجب أن تُطبق “من حيث المبدأ” لأن أطراف النزاع لم تصادق على بعض هذه الاتفاقيات، وهو موضوع القسم التالي.
ملاحظات ومراجع:
1 نامه شام، “إيران في سوريا”، الفصل الثاني، أيلول/سبتمبر 2014.