Select language / زبان خود را انتخاب کنيد

3. المسؤولية الفردية ومسؤولية القيادة

Soleimani_with_Syrian_soldiers3. المسؤولية الفردية ومسؤولية القيادة

المسؤولية الفردية

أحد المبادئ الأساسية للقانون الجنائي هو المسؤولية الفردية عن الجرائم، أي عدم جواز معاقبة أي شخص على جريمة لم يرتكبها هو أو هي شخصياً.1

تمارس محكمة الجنايات الدولية، وفقاً لنظامها الأساسي (اتفاقية روما)، صلاحياتها على جميع “الأشخاص الطبيعيين” الذين يبلغون من العمر 18 عاماً وما فوق، بغض النظر عن صفتهم الرسمية أو أية حصانات قد يتمتعون بها وفق القوانين الوطنية (تتناول المادة 27 “عدم الاعتداد بالصفة الرسمية” والمادة 29 “عدم سقوط الجرائم بالتقادم”). بتعبير آخر، القادة والمسؤولون ليسوا مستثنين من المسؤولية الجنائية وفق هذه الاتفاقية. كما أن الحصانات الخاصة، سواء كانت وفقاً للقوانين المحلية أم الدولية، لا تمنع المحكمة من ممارسة صلاحياتها.2

تتناول اتفاقية روما المسؤولية الجنائية الفردية في المادة 25. تدرج الفقرات 3(أ) إلى 3(هـ) من المادة أشكالاً متعددة لارتكاب الجرائم الدولية التي تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات أو المشاركة فيها. فإذا ثبت أن شخصاً ما قد ارتكب أياً من هذه الأفعال، فهو “مسؤول جنائياً وعرضة للعقاب.” وتشمل هذه الأفعال:

أ) ارتكاب هذه الجريمة، سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع شخص آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً.

ب‌) الأمر أو الإغراء بارتكاب جريمة، أو الحث على ارتكابها، سواء وقعت الجريمة بالفعل أو شُرع فيها.

ج) تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.

د) المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تُقدّم:

ا. إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة؛

2. أو مع العلم بنيّة ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.

باختصار، يمكن لشخص ما أن يرتكب جريمة دولية إما مباشرة، أو بالاشتراك مع شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، أو من خلال شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص. كما يمكن لشخص ما أن يكون مشاركاً في الجريمة من خلال الأمر بارتكابها أو بمحاولة ارتكابها، تسهيل ذلك أو الإغراء به، أو تقديم العون أو التحريض أو المساعدة على ارتكابها أو محاولة ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.

إحدى الميزات الهامة لاتفاقية روما هي النقطة آنفة الذكر الخاصة بالمسؤولية المشتركة لمجموعة من الأشخاص “يعملون بقصد مشترك”، عادة ما يكون قصداً جنائياً. ويتطلب ذلك توافر أركان مادية ومعنوية للجريمة سنناقشها بعد قليل.

من الجدير بالملاحظة أن المسؤولية الجنائية تشمل أيضاً محاولة الشروع في الجريمة، أي الحالات التي لا تقع فيها الجريمة فعلاً بسبب ظروف لا تتعلق بنيّة المتهم. لكن إذا تخلّى الشخص أو كفّ عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة، أو حال بوسيلة ما دون إتمامها، فلا يكون عرضة للعقاب على الشروع في ارتكاب الجريمة بموجب هذه الاتفاقية، لكن شرط أن يكون قد تخلى تماماً، وبمحض إرادته، عن الغرض الجنائي (المادة 25(و)). ويختلف هذا المنطق عن فكرة “التآمر” الكلاسيكية في القانون العام، حيث لا يهمّ إن كانت الجريمة قد ارتُكبت فعلاً أو لا.

دفاعات

تعدد اتفاقية روما في المادة 31 عدداً من الدفاعات، أو “أسباب امتناع المسؤولية الجنائية”، المتاحة للمتهمين. وتشمل هذه الأسباب المعاناة من مرض أو قصور عقلي، وكذلك حالات السُكر و تناول المخدّرات التي “تفقد الشخص قدرته على إدراك عدم مشروعية أو طبيعة سلوكه أو قدرته على التحكم في سلوكه بما يتماشى مع مقتضيات القانون.” كما تشمل حالات الدفاع المعقول عن النفس وحالات ارتكاب الجريمة بالإكراه الناتج عن التهديد بالموت الوشيك أو بإحداث ضرر جسدي جسيم.

يشمل الدفاع عن النفس الدفاع عن “ممتلكات لا غنى عنها لبقاء الشخص”، وكذلك الدفاع عن شخص آخر أو عن ممتلكات”لا غنى عنه أو عنها لإنجاز مهام عسكرية.” لكن الدفاع يجب أن يكون “ضد استخدام وشيك وغير مشروع للقوة” وبطريقة “تتناسب مع درجة الخطر الذي يهدد هذا الشخص أو الشخص الآخر أو الممتلكات المقصود حمايتها.” ولا يُعتبر اشتراك الشخص في عملية دفاعية تقوم بها القوات التي هو جزء منها في حدّ ذاته سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية.

من الدفاعات الأخرى الهامة التي من المرجح أن تُستخدم من قبل الحكومتين السورية والإيرانية هو ذلك الذي تورده الفقرة 3 من المادة 8، التي تنصّ على أن جرائم الحرب المدرجة في هذه المادة “لا يجب أن تؤثر على مسؤولية الحكومة عن حفظ أو إقرار القانون والنظام في الدولة أو عن الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، بجميع الوسائل المشروعة.”

تستند هذه الفقرة إلى المادة 3 من البروتوكول الثالث الملحق باتفاقيات جنيف، التي تتحدث عن مبدأ عدم التدخل والسيادة الوطنية. لكن لا ينبغي تفسير أي من المادتين بشكل يناقض الهدف من هاتين الاتفاقيتين أو يعطّل مفعولهما. بتعبير آخر، ليس الهدف منهما إعطاء الدول كامل الحرية في استخدام أية وسائل تريدها لحفظ النظام أو الدفاع عن الوحدة الوطنية. على هذه الوسائل أن تكون مشروعة وفقاً للقانون الدولي.

الأركان المعنوية

لإثبات المسؤولية الجنائية الفردية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تتطلب اتفاقية روما ليس فقط توافر الأركان المادية أو الموضوعية للجريمة (actus reus) المدرجة أعلاه، بل كذلك توافر ركنين ذاتيّين أو معنويّين (mens rea) هما القصد والعلم بالجريمة. إذ تنصّ المادة 30 على أن “الشخص لا يكون مسؤولاً جنائياً عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ولا يكون عرضة للعقاب على هذه الجريمة إلا إذا تحققت الأركان المادية مع توافر القصد والعلم.”

ويُعرّف القصد بأنه تعمّد الشخص ارتكاب سلوك معين، أو التسبب في نتيجة معينة، أو إدراك أن هذه النتيجة ستحصل لو سارت الأحداث في مسارها الحالي. أما العلم فيُعرّف بأنه إدراك الشخص تواجد ظروف أو حدوث نتيجة معينة في المسار العادي للأحداث.

بالإضافة لهذه القاعدة العامة، ألحقت اتفاقية روما بـ “أركان جريمة” مفصلة لكل من الجرائم التي تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات، وذلك بهدف “إعانة المحكمة في تفسير وتطبيق المواد 6 و7 و8. 3 على سبيل المثال، تورد الاتفاقية أركان جريمة الحرب التي تنصّ عليها المادة 8(2)(أ)(4)، أي تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها بشكل غير مشروع، كما يلي:

1. أن يدمّر مرتكب الجريمة ممتلكات معيّنة أو يستولي عليها.
2. ألا تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر التدمير أو الاستيلاء.
3. أن يكون التدمير أو الاستيلاء واسع النطاق وتعسفياً.
4. أن تكون هذه الممتلكات مشمولة بالحماية بموجب اتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949.
5. أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت ذلك الوضع المحمي.
6. أن يصدر هذا السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مقترناً به.
7. أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.

بالمثل، تورد الاتفاقية أركان الجريمة ضد الإنسانية التي تنصّ عليها المادة 7(1)(د)، أي الترحيل أو النقل القسري للسكان، كما يلي:

1. أن يرحّل المتهم أو ينقل قسراً شخصاً أو أكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري آخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي.
2. أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا أو نُقلوا منها على هذا النحو.
3. أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت مشروعية هذا الوجود.
4. أن يُرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.
5. أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.

لا ينبغي أن تُفسّر الأركان المعنوية للجرائم الدولية، كما أقرّ بذلك عديد من المحاكم الدولية، على أنها تتطلب إثبات أن مرتكب الجريمة كان على علم بجميع التفاصيل الدقيقة للجريمة أو الخطة. يكفي لاكتمال الركن المعنوي عادة أن يكون مرتكب الجريمة قد قصد تنفيذ الهجوم أو تسهيله وأنه كان مدركاً للسياق العام لهذا الفعل، كما تشير إلى ذلك الفقرات 5 و7 في القائمة الأولى أعلاه والفقرات 3 و5 في القائمة الثانية. علاوة على ذلك، يتعلق ركن العلم بالحقائق فقط، وليس بتقييم قانوني للوضع. لذا يكفي أن يكون مرتكب الجريمة مدركاً للظروف الواقعية للأشخاص أو الممتلكات المعنية، وليس بالضرورة لوضعهم القانوني.

تجدر الملاحظة أيضاً أن الركن المعنوي في حالة تسهيل جرائم كهذه (الدعم، التحريض، إلخ) يتطلب “قصداً مزدوجاً”، أحدهما يتعلق بسلوك مسهّل الجريمة نفسه والآخر بسلوك مرتكب أو مرتكبي الجريمة. بتعبير آخر، يجب أن يكون المتهم على علم بأن مساعدته ستسهّل ارتكاب الجريمة، وأن يكون قد قصد ذلك.

فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة من قبل “جماعة تتصرف بقصد مشترك”، يجب أن تكون المساهمة المقصودة للأعضاء قد قُدّمت إما “بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة” أو “مع العلم بنيّة الجماعة ارتكاب الجريمة.” بتعبير آخر، يمكن أن تتعلق المساهمة بالجريمة نفسها أو بالغرض أو القصد الإجرامي للجماعة بشكل عام.

مسؤولية القيادة

بعد أن ناقشنا المسؤولية الجنائية الفردية، نلتفت الآن إلى مسؤولية القادة العسكريين وغيرهم، والتي تتمتع بأهمية خاصة بالنسبة لهذا التقرير.

منذ قضية “تومويوكي يامشيتا” المثيرة للجدل – وهو جنرال ياباني عذّبت وقتلت قواته آلاف المدنيين في مانيلا بالفلبين عام 1945 – باتت فكرة مسؤولية القيادة أو مسؤولية الآمر جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي، وكذلك الكثير من القوانين المحلية.4

على سبيل المثال، تنصّ المادتان 86 و87 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف – واللتان ينبغي أن تُقرأا معاً – تنصان على مسؤولية الدول الأعضاء في “اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى للاتفاقيات ولهذا البروتوكول، التي تنجم عن التقصير في أداء عمل واجب الأداء.” كما تلزمان القادة العسكريين بـ “منع الانتهاكات للاتفاقيات ولهذا البروتوكول، وإذا لزم الأمر، بقمع هذه الانتهاكات وإبلاغ السلطات المختصة بها.” وتضيف المادة 86:

لا يعفي قيام أي مرؤوس بانتهاك الاتفاقيات أو هذا البروتوكول رؤساءَه من المسؤولية الجنائية أو التأديبية، حسب الحالة، إذا كان هؤلاء على علم، أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم في تلك الظروف أن يخلصوا إلى أن المرؤوس قد ارتكب، أو أنه كان في سبيله لارتكاب، مثل هذا الانتهاك ولم يتخذوا كل ما في وسعهم من إجراءات معقولة لمنع أو قمع هذا الانتهاك.”

طوّرت اتفاقية روما، وقبلها محاكم دولية مختلفة، هذا المبدأ من خلال إقرار المسؤولية الجنائية الدولية، بدلاً من الاكتفاء بالإجراءات التأديبية التي تتخذها الدول، ومن خلال توسيع هذه المسؤولية لتشمل قادة الأمر الواقع والمسؤولين المدنيين. إذ تنصّ المادة 28 من الاتفاقية على أن:

القائد العسكري، أو الشخص القائم فعلياً بأعمال القائد العسكري، مسؤول جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وتحكمه الفعليين، أو تخضع لسلطته وتحكمه الفعليين، حسب الحالة، نتيجة لفشل هذا القائد أو الشخص في التحكم بهذه القوات كما يجب.

بتعبير آخر، يتحمل القائد العسكري، سواء كان قائداً رسمياً أم فعلياً (أي بحكم الأمر الواقع)، مسؤولية مزدوجة: مسؤولية مباشرة عن تصرفه هو نفسه (الفشل في الإشراف على مرؤوسيه كما يجب، والذي يُعتبر إغفالاً أو إهمالاً جدياً) ومسؤولية غير مباشرة عن التصرف الجنائي لمرؤوسيه (ما يخلق خطر حدوث الجريمة، بالإضافة لخطر حدوث جرائم أخرى في المستقبل إذا لم يُعاقب المرتكبون على الجريمة الأولى).

لذا يُعتبر القائد العسكري مسؤولاً عن الجرائم الدولية التي ترتكبها القوات التي تحت إمرته إذا أمكن إثبات 1) أن القائد يتحكم فعلياً بالمرؤوسين المتهمين بارتكاب الجريمة و 2) أن هذا التحكم كان يمكن أن يمنع وقوع الجريمة لو مورس كما يجب.

ويلعب مبدأ “التحكم الفاعل” – الذي لا يقتصر على الرتب الرسمية، بل يشمل القيادة الشكلية والفعلية – دوراً هاماً في الحالات التي تتعايش فيها أكثر من تراتبية هرمية واحدة، كما هي الحال في سوريا اليوم. بالفعل، تشير القرائن والأدلة إلى أن القادة العسكريين الإيرانيين وقادة من حزب الله هم من يتحكمون فعلياً بسير العمليات العسكرية على الأرض (انظر(ي) الفصل الأول).

لإثبات أن منظمة أو جماعة إجرامية ما تمارس سلطة أمر واقع في منطقة معينة، يجب أخذ عدد من العوامل بعين الاعتبار، بما فيها:

1. إن كانت الجماعة تخضع لقيادة مسؤولة أو لها تراتبية هرمية واضحة؛
2. إن كانت الجماعة تملك الوسائل اللازمة للقيام بهجوم منهجي أو واسع النطاق ضد سكان مدنيين؛
3. إن كانت الجماعة تتحكم بقسم من أراضي دولة ما؛
4. إن كانت النشاطات الجنائية ضد السكان المدنيين من بين الأهداف الرئيسية للجماعة؛
5. إن كانت الجماعة قد عبّرت، سواء ضمناً أم علانية، عن نيتها في استهداف سكان مدنيين؛
6. إن كانت الجماعة جزءاً من جماعة أخرى تنطبق عليها بعض أو كل الشروط آنفة الذكر.5

الأركان المعنوية

لا شك أن الأركان المعنوية أو الذاتية لمسؤولية القيادة أكثر إثارة للجدل، وإثباتها أكثر صعوبة، من الأركان المعنوية المشار إليها أعلاه. تورد المادة 28 من اتفاقية روما هذه الأركان كما يلي:

أ) إذا كان ذلك القائد العسكري أو الشخص على علم، أو يفترض أن يكون على علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو على وشك ارتكاب هذه الجرائم.

ب) إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.

وقد أثارات النقطة الأولى – إذا ما كان المعيار العلم الإيجابي الفعلي بالجريمة (كان على علم) أم علماً مفترضاً أو مبتنىً (يفترض أن يكون على علم) – الكثير من الجدل والاختلاف في الآراء. لكن من المتفق عليه عموماً اليوم – لا سيما بعد حكم المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في قضية “ديلاليتش” و المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في قضية “أكايسو”، من بين قضايا أخرى – أن افتراضاً نظرياً أو عاماً بالمعرفة لا يكفي لتلبية شرط هذا الركن المعنوي لمسؤولية القيادة. لكن إثبات معرفة كهذه على أساس أدلة وقرائن ظرفية مسموح به.

بتعبير آخر، يكفي لتلبية شرط الركن الذاتي أن نظهر أن القائد العسكري كانت لديه معلومات أو آليات واضحة تمكنه من الاستنتاج، ضمن الظروف السائدة عند ارتكاب الجريمة، أن مرؤوسيه قد ارتكبوا، أو كانوا على وشك ارتكاب، جريمة دولية، ومع ذلك لم يتخذ الإجراءات اللازمة التي هي في حدود سلطته لمنع ارتكابها أو معاقبة مرتكبيها، أي أنه تجاهل المعلومات المتاحة له. ويُعتبر هذا الإهمال – الذي يدعى أحياناً “تجاهلاً مستهتراً أو متعسّفاً”، “عمى متعمّداً” وما إلى ذلك – يُعتبر خطيراً إلى درجة أنه يرقى إلى سوء نيّة جنائي.

ولا يهمّ كثيراً مصدر المعلومات وشكلها – إن كانت تقارير مباشرة من المرؤوسين، تقارير إعلامية، شهادات عيان، إلخ – طالما أن المعلومات كانت واضحة وموثوقة بما يكفي لتمكين القائد العسكري من التصرف على أساسها. ولا يجب أن ننسى أن الجرائم المعنية هنا يُفترض أن تكون منهجية وواسعة النطاق بطبيعتها.

أما بخصوص ماهية “التدابير اللازمة والمعقولة” التي يُفترض بالقائد العسكري اتخاذها، فهي مسألة تمّ تناولها والتمحيص فيها من قبل العديد من القضاة والمعلّقين. وتشمل هذه التدابير عادة أشياء من قبيل التأكد من وعي المرؤوسين بواجباتهم وفق القانون الدولي، وجود آلية فعالة للمراقبة والمتابعة، التحقيق في الانتهاكات المزعومة والمعاقبة عليها، وما إلى ذلك. المهمّ في هذا الصدد هو أن تكون هذه التدابير في حدود سلطة القائد العسكري الفعلية. فلو قام القائد برفع تقرير عن الجريمة المزعومة إلى مسؤوليه أو إلى السلطات المختصة، وطلب التحقيق فيها أو إنزال العقوبة المناسبة بالمتهمين، فذلك يُعتبر تدبيراً معقولاً اتُخذ لمنع الجريمة أو المعاقبة عليها، وقد لا يكون هذا القائد العسكري بالتالي مسؤولاً عن الجريمة.

تكرر الفقرة (ب) من المادة 28 أحكاماً مشابهة تخص القادة غير العسكريين (المسؤولين المدنيّين على مستوى صناعة القرار)، لكنها تستبدل تعبير “الخاضعة لإمرته وتحكمه الفعليين” بتعبير “سلطته وتحكمه الفعليين”، وتضيف شرط أن تكون الجريمة متعلقة “بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والتحكم الفعليين للمسؤول” (أي مجال اختصاصه). كما أن معيار العلم بالجريمة أعلى: على المسؤول إما أن يكون على علم بالمعلومات أو يكون قد تجاهلها على نحو واع. أي أن خيار افتراض المعرفة غير موجود في هذه الحالة.

المسؤولية الفردية ضد مسؤولية القيادة

غالباً ما تترافق مسؤولية القيادة مع أوامر جنائية من القادة. لكن من الصعب، في أغلب الأحيان، إثبات وجود أوامر مباشرة بارتكاب جرائم محددة. لذا تُستخدم مسؤولية القيادة إلى حد ما كطريقة للتغلب على هذا العائق. كما أن أكثر من قائد واحد قد يكون مسؤولاً عن جريمة واحدة ارتكبها مرؤوس واحد، حسب التراتبية الهرمية.

ترتبط مسؤولية القيادة بصلة وثيقة مع دفاع “إطاعة الأوامر العليا” (“أنا لستُ مذنباً لأنني كنت أنفّذ أوامر رئيسي وحسب”). لكن المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية القيادة لا تلغي إحداهما الأخرى، بل تعكسان طريقتين مختلفتين للمشاركة في الجريمة نفسها.

إذ كما تنصّ المادة 33 من اتفاقية روما بشكل صريح، لا يعفي الامتثال لأوامر عليا أو قوانين مرتكبَ جريمة دولية من المسؤولية الجنائية الفردية، إلا في الحالات التالية:

أ) إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني.
ب‌) إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع.
ج) إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة.

من نافل القول أن الأوامر بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أوامر غير مشروعة. فإذا كانت هناك أية قضايا تخص جرائم دولية ادّعى فيها المتهم أنه فعل ما فعل امتثالاً لأوامر رؤسائه أو قادته العسكريين، يمكن استخدام ذلك كدليل ضد أولئك الرؤساء والقادة على مسؤوليتهم الجنائية، دون أن يُعفي ذلك بالضرورة المتهم الأصلي من المسؤولية الفردية.

علاوة على ذلك، لا يُعفى الرئيس أو المسؤول من المسؤولية بمجرد تفويضه شخصاً آخر للقيام بمهامه أو واجباته، لأن واجب الإشراف المناسب يقع في نهاية المطاف على عاتق هذا الرئيس (اختيار المندوبين الملائمين، التأكد من أنهم يقومون بالمهام بشكل جيد وما إلى ذلك). يمكن أن يُستخدم ذلك كدفاع فقط إذا كان التفويض “جزئياً، محدداً ودقيقاً”، وإذا كان المفوَّض كفؤاً للقيام بالمهام الموكلة إليه بشكل جيد.

يجادل الفصل السابق من التقرير أن هناك ما يكفي من الأدلة لمحاكمة القيادات العسكرية والمدنية الإيرانية، بالإضافة لقادة الميليشيات المختلفة التي يتحكم بها النظام الإيراني وتقاتل في سوريا، على مسؤوليتهم القيادية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يركز عليها هذا التقرير. وينبغي تمييز ذلك عن مسؤوليتهم كمشاركين مباشرين في ارتكاب بعض هذه الجرائم (ارتكاب مشترك) وعن التحريض على جرائم أخرى أو توفير وسائل ارتكابها (ارتكاب غير مباشر)، والتي يقدّم الفصل السابق أمثلة عليها أيضاً.

ملاحظات ومراجع:

1 للمزيد عن هذا الموضوع، انظر هنا.

2 اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. النص الكامل بالعربية على هذا الرابط.

3 أركان الجرائم بالعربية موجودة على هذا الرابط.

4 انظر هنا مثلاً.

5 انظر هنا.