1. تدمير
حجم الدمار في سوريا موثق بشكل جيد. يقدّر المراقبون أن أكثر من نصف الوحدات السكنية في البلد قد دُمّرت بشكل كامل أو جزئي منذ آذار/مارس 2011. في نيسان/أبريل 2013، قدّرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) التابعة للأمم المتحدة أن ثلث المساحات العقارية في سوريا (1.2 مليون منزلاً) قد دُمّرت بسبب القصف، منها 400,000 منزلاً تدمّر كلياً، 300,000 تدمر جزئياً، و500,000 أصيب بأضرار في بنيته التحتية.1
بيد أن هناك محاولات قليلة جداً لتحديد هوية مرتكبي جرائم الحرب هذه والمشاركين فيها، وللتمييز بين الدمار الذي تسببت به أعمال الحرب والدمار الناتج عن أسباب أخرى تحت غطاء الحرب.
يُصدر برنامج تطبيقات الأقمار الصناعية التشغيلية (UNOSAT) التابع لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (Unitar) تقارير دورية، تستند بشكل أساسي إلى صور أقمار صناعية، لتقدير حجم الضرر والدمار في مدن سورية مختلفة،2 وذلك بهدف المساعدة في تطبيق قراري مجلس الأمن رقم 2139 و2165 لعام 2014. 3 وتستعرض التقارير عادة “مؤشرات على ضرر أو دمار ومؤشرات على استمرار القتال ونزوح المدنيين.”
يقدّم أحد هذه التقارير، الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، تقييماً للوضع في العاصمة دمشق.4 إذ تُظهر صور الأقمار الصناعية “ضرراً واسعاً في أرجاء المدينة والعديد من الأبنية المدمرة والمتضررة بشكل كبير وحفراً بتأثير انفجار القذائف.” وتظهر إحدى الصور الأجزاء الشمالية الشرقية لحيّ جوبر، حيث يبدو العديد من الأبنية مدمراً أو متضرراً بشكل كبير، “غالباً بسبب القصف الجوي و/أو البراميل المتفجرة.”
يوثّق تقرير آخر، صادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، 5 “أبنية كثيرة متضررة بشكل كبير” في أحياء عين التل، عويجة، حيدرية، هنانو والعرقب في حلب بسبب “القتال المستمر.” وتُظهر بضعة أبنية في حيّ البعيدين أضراراً “مشابهة لتلك التي يسببها القصف الجوي أو البراميل المتفجرة.” أما صور حيّ هنانو فتُظهر أبنية “متضررة بشكل كبير،” غالباً بسبب “المدفعية ونيران مباشرة من دبابات وعربات مصفحة أخرى.”
في تحليل آخر لصور الأقمار الصناعية لمدينة حلب،6 توثّق اللجنة 8,510 بناءً متضرراً، منها 1,543 مدمرة بشكل كامل، 4,847 متضررة بشكل كبير و2,120 متضررة بعض الشيء. وبينما كانت أجزاء واسعة من المدينة قد تضررت عند إجراء التحليل السابق في أيلول/سبتمبر 2013، توثق اللجنة 7,937 بناءً جديداً متضرراً منذ ذلك التاريخ، بالإضافة إلى 17 بناءً شهد أضراراً إضافية جديدة. تظهر خريطة مشابهة لأجزاء من مدينة حمص 7 ما مجموعه 13,778 بناءً متضرراً، منها 3,082 بناءً مدمراً، 5,750 بناءً متضرراً بشكل كبير و4,946 بناءً متضرراً بعض الشيء. هنا أيضاً، بينما كانت أجزاء واسعة من المدينة متضررة أصلاً في أيلول/سبتمبر 2013، توثق اللجنة 4,109 بناءً جديداً متضرراً منذ ذلك التاريخ و221 بناءً شهد أضراراً إضافية.
في الوقت التي تكشف فيه خرائط كهذه نموذجاً متسقاً للاستهداف والتدمير العشوائي وواسع النطاق للبنى التحتية المدنية، باستخدام المدفعية والقصف الجوي والبراميل المتفجرة، فإنها لا تقول لنا الكثير عن السياق الذي حصل فيه التدمير وعن أسبابه المباشرة. لتحديد ذلك، يحتاج المرء لوضع هذه الأرقام والخرائط في سياقها، وذلك بمقارنتها بتقارير إخبارية موثوقة وشهادات عيان عما كان يحدث أثناء وبُعيد الهجمات التي تسببت بالدمار. قد يساعد ذلك في تحديد هوية مرتكبي هذه الجرائم واستنتاج ما إذا كان الدمار مبرراً بـ “الضرورات العسكرية” للحرب كما يعرّفها القانون الدولي. فقط عندها يمكن الحديث عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
على سبيل المثال، هل كان تدمير أحياء كاملة في حمص (ثلثي المدينة وفقاً لبعض التقديرات 8) مجرد نتيجة لأشهر من الحصار والاقتتال بين قوات النظام والمعارضة؟ من المعروف أن معظم ثوّار حمص خرجوا من المدينة، في صفقة تم الاتفاق عليها بوساطة إيرانيين في أيار/مايو 2014. 9 وعليه، هل يمكن أن يكون للضرر والدمار الموثّقين بعد هذا التاريخ صلة بشيء آخر غير أعمال الحرب؟ ستحاول الفصول التالية من التقرير أن تُظهر أن هذا هو ما حصل بالفعل.
تدمير حلب القديمة
يُظهر تقييم للـ UNOSAT للضرر والدمار في أحياء حلب القديمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 التدمير الكامل لـ 22 “موقعاً أثرياً”، إلحاق الضرر الشديد بـ 48 موقعاً آخر، إلحاق بعض الضرر بـ 33 موقعاً، واحتمال إلحاق الضرر بـ 32 موقعاً. من بين المواقع الـ 210 التي تمت معاينتها، نصفها تقريباً كان متضرراً، بينما دُمّر حوالي خمسها بشكل كامل.10
وكانت الدراسة قد رصدت “أبنية ومواقع هامة” في المدينة القديمة في حلب، التي تم تصنيفها عام 1986 ضمن “ممتلكات التراث العالمي”، كما تم إدراجها من قبل الأونيسكو عام 2013 في قائمة “التراث العالمي المهدد بالخطر.”11 وتضمّ المواقع المدروسة قلعة حلب، أسوار المدينة الأثرية، 73 بناءً تاريخياً، 83 بناءً دينياً، بالإضافة لأسواق المدينة التاريخية.
كل ما تقوله الدراسة عن أسباب التدمير هو “أدلة ظاهرة على ضرر بنيوي شديد من أثر القصف والنيران.”
لكن العديد من الهجمات التي تسببت في الضرر والدمار في حلب القديمة موثّق جيداً من قبل المعارضة السورية ووسائل الإعلام السورية المستقلة. إذ نشر مركز حلب الإعلامي وحده، على سبيل المثال، عشرات الفيديوهات والصور عن هجمات كهذه.12 لا شك أن الأمر يحتاج لعمل منهجي لجمع وتنظيم أدلة كهذه ووضعها في سياقها، لكنها موجودة.
غنيّ عن القول إن غالبية حالات القصف الجوي على حلب تتعلق بالنزاع المسلح المستمر، على الرغم من أن العديد من هذه المواقع الأثرية لم يُستخدم من قبل الثوّار لأغراض عسكرية، وفقاً للتقارير. وحتى لو استخدمت كذلك، يبدو أن القصف الذي أدّى إلى تدمير هذه المواقع كان عشوائياً ومفرطاً، أي غير متناسب مع أهدافه العسكرية المفترضة. كما يبدو أنه كان واسع النطاق وجزءاً من سياسة رسمية تقضي بالقصف الجوي المتعسّف لجميع المناطق التي يسيطر عليها الثوار أو المناطق المتعاطفة معهم في حلب.
بناءً على ذلك، يمكن القول إن حالات القصف هذه ترقى إلى تدمير مقصود وغير مشروع لأهداف مدنية، والذي يُعتبر جريمة حرب. كما أنها قد ترقى إلى جريمة حرب أخرى: “تعمّد توجيه الهجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تكون هذه أهدافاً عسكرية.”13
ملاحظات ومراجع:
1 انظر هنا. للمزيد عن مهجية تقدير الخسائر، انظر على سبيل المثال هذه الدراسة و هذه الدراسة.
2 انظر هنا.
3 دعا القرار 2139 جميع الأطراف إلى الوقف الفوري للهجمات على المدنيين وإلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية ورفع الحصار عن المناطق المأهولة، بما فيها مدينة حمص القديمة. أما القرار 2165 فسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وخطوط النزاع، لكن دون آلية لفرض ذلك تحت الفصل السابع.
4 انظر هنا.
5 انظر هنا.
6 انظر هنا.
7 انظر هنا.
8 انظر على سبيل المثال هذا التقرير للجزيرة، 8 تموز/يوليو 2013.
9 للمزيد عن هذا الموضوع، انظر هنا.
10 انظر هنا. للتوسع في قضية تدمير المواقع الأثرية في سوريا بشكل عام، انظر هذا التقرير.
11 حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم، ويعود تاريخ استيطان البشر فيها إلى حوالي 7 آلاف سنة. وبسبب هذا التاريخ، يعتبر عديد كبير من الأبنية في المدينة القديمة “ذا أهمية تاريخية بالغة”. المرجع السابق.
12 انظر موقع المجموعة.
13 المادة 8(2)(ب)(9) من اتفاقية روما. انظر الفصل الثاني.