Select language / زبان خود را انتخاب کنيد

1. تدمير واستملاك الممتلكات

حمص1. تدمير واستملاك الممتلكات

منذ ظهور مفهوم جرائم الحرب في المادة 228 من معاهدة فرساي للسلام، وتطويره لاحقاً في مواثيق المحاكم العسكرية الدولية في نورمبرغ وطوكيو، يحظر القانون الإنساني الدولي التدمير والاستيلاء المفرطين على ممتلكات المدنيين خلال النزاعات المسلحة، حين لا تبرر ذلك “الضرورة العسكرية”، ويعتبرهما جريمة حرب.

انتهاك جسيم

لم تستخدم اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 1 تعبير “جرائم حرب”، بل استخدمت تعبير “مخالفات جسيمة” أو “انتهاكات جسيمة.” لكن البروتوكول الإضافي الأول الملحق بالاتفاقيات، الذي تم تبنيه عام 1977، اعتبر هذه المخالفات الجسيمة جرائم حرب (المادة 85(5)). وكذلك فعلت اتفاقية روما التي أسست محكمة الجنايات الدولية عام 1998، 2 مُدخلة بذلك هذه الانتهاكات ضمن اختصاص المحكمة.

أحد هذه الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف (الأولى والثانية والرابعة) هو:

تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع، على نحو لا تبرره ضرورات عسكرية وبطريقة غاشمة وغير مشروعة.

وكلمة الغاشم أو المتعسف أو المستهتر (wanton) هنا تنطوي على الإهمال وعلى الأذى المقصود في الوقت نفسه. التدمير المتعسف ينطوي على تجاهل متهور للعواقب الخطيرة لأفعال المرء على سلامة الآخرين أو ممتلكاتهم. لذا فهو يختلف عن الإهمال الجسيم في أنه نتيجة لفعل مقصود. إنه على نحو ما على النقيض من مبدأ الحيطة الذي توصي به المادة 58(ج) من البروتوكول الإضافي الأول، التي تنصّ على أن تقوم أطراف النزاع، قدر المستطاع، “باتخاذ الاحتياطات الأخرى اللازمة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين وأفراد وأعيان مدنية من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.”

ورد أول تعريف قانوني لقاعدة “الضرورة العسكرية” في قانون ليبر لعام 1863 على أنها “ضرورة تلك الإجراءات التي لا غنى عنها لتأمين غايات الحرب، وتعد مشروعة بمقتضى القانون الحديث للحرب واستخداماتها.”3 وتوضّح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن “الأسس الأربعة” للضرورة العسكرية هي “الحاجة الملحة، الإجراءات المقتصرة على تلك التي لا غنى عنها، التحكم (في الزمان والمكان) بالقوة المستخدمة، وأن لا تنتهك الوسائل المستخدمة أياً من المحظورات غير المشروطة.”4 بتعبير آخر، صحيح أن الضرورة العسكرية تمنح القادة العسكريين استقلالية كبيرة في اختيار التكتيكات العسكرية، إلا أنه لا يجوز استخدام ذلك من قبل الفرق المتحاربة لتبرير انتهاكهم لقوانين الحرب وغيرها من الالتزامات القانونية الدولية، بما في ذلك حظر التدمير أو الاستيلاء غير المشروع على الممتلكات المدنية.

جريمة حرب

تعدّد المادة 8(2)(أ) من اتفاقية روما عدداً من جرائم الحرب التي تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية، ولا سيما حين تُرتكب “في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.” وتشمل هذه الجرائم الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، بما فيها “التدمير واسع النطاق للممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وعلى نحو غاشم وغير مشروع.”

وحيث أن هذه المادة تشير صراحة إلى اتفاقيات جنيف، فإن الأشخاص والممتلكات المعنية يجب أن تكون محمية وفقاً للاتفاقية المعنية (الأولى أو الثانية أو الرابعة). على سبيل المثال، تنطبق الجريمة في اتفاقية جنيف الأولى (المواد 33 إلى 36) فقط على تدمير المباني أو المواد التابعة للوحدات الطبية، بينما تنطبق في الاتفاقية الرابعة على المستشفيات المدنية والممتلكات الواقعة على أراض محتلة. وهكذا فإن تدمير هذه الممتلكات فقط، المحمية وفقاً لاتفاقيات جنيف، يُعتبر انتهاكاً جسيماً، وبالتالي جريمة حرب.

مواقع مدنية

لكن اتفاقية روما، في المادة (8)(ب)(1) و(2)، تعتبر التهجم المتعمّد على السكان المدنيين أو المواقع المدنية بشكل عام جريمة حرب:

1. تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.

2. تعمّد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.

وهذه انتهاكات للقوانين والأعراف الناظمة للنزاعات الدولية المسلحة وتعكس قاعدتين أساسيتين ينص عليهما البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف في المواد 51(2)، 52 و85(3)(أ).

إذ تعرّف المادة 52 المواقع أو الأعيان المدنية بأنها “كافة المواقع التي ليست أهدافاً عسكرية،” التي تُعرّف بدورها بأنها “تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري، سواء كان ذلك بسبب طبيعتها أم موقعها أم غايتها أم استخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.”5 عادة ما تُعدّ الطرقات والجسور والسكك الحديدية وما إلى ذلك مواقع عسكرية، لأنها يمكن أن تُستخدم من قبل أطراف النزاع لغايات عسكرية.

بناء على ما سبق، حتى يُعتبر تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، يجب أن تكون الممتلكات مدنية (أي أن لا تسهم في العمل العسكري) ويجب ألا يكون الهجوم عليها مبرراً عسكرياً (أي أن يحقق للمهاجمين ميزة أو أفضلية عسكرية أكيدة). يمكن أن يصبح موقع مدني ما موقعاً عسكرياً فقط في حال مساهمته بشكل فعال في العمل العسكري، وإذا كان تدميره سيحقق ميزة عسكرية أكيدة في الظروف التي تحكم الوضع وقت الهجوم. ولا يجوز أن تكون هذه الميزة محتملة أو غير محددة، بل يجب أن تكون “ملموسة ومحسوسة” و”غير افتراضية أو تحزرية.”

من الجدير بالذكر أن هذا القانون يشمل كذلك المواقع العزلاء (غير المحمية) والتي نُزعت عنها الصفة العسكرية (لم تعد موقعاً عسكرياً)، كما هي الحال بعد وقف إطلاق النار أو الانسحاب مثلاً. تحظر اتفاقية روما

5. مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت.

وسبب ذلك هو أن أماكن كهذه لم تعد، بسبب توقف الأعمال العسكرية فيها، تساهم مساهمة فعالة في الجهود العسكرية، فلا يجب اعتبارها بالتالي أهدافاً عسكرياً.

ويطوّر هذا القانون قوانين أخرى سابقة نصّت عليها المادة 25 من أنظمة لاهاي لعام 1907، المادة 2 من اتفاقية لاهاي رقم 9، والمادتان 14 و15 من اتفاقية جنيف الرابعة. بالفعل، لا تشمل كلمة “مدني” الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العسكرية فحسب، بل كذلك المقاتلين الذين سلّموا أسلحتهم ولم يعودوا يشاركون في الأعمال العسكرية.6

الهجمات المفرطة

الهجمات على المواقع المدنية محظورة بشكل خاص حين تكون هذه عشوائية وتُنفذ مع علم مسبق بأنها ستتسبب بخسائر أو أضرار مفرطة بشكل واضح، ما يُعتبر انتهاكاً لمبدأ التناسب الذي تنصّ عليه المادة 85(ب) و (ج) من البروتوكول الإضافي الأول والمادة (8)(ب)(4) من اتفاقية روما:

تعمّد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار بمواقع مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.

وعلى التناسب أن يُقدّر في كلّ حالة على حدة بالقياس إلى “مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة، الملموسة والمباشرة” التي يقدّرها “قائد عسكري معقول.” ورغم أن اتفاقية روما تضيف كلمة “مجمل” أو “إجمالي”، إلا أن المكسب العسكري المتوقع يجب أن يكون مباشراً في أية حال.

جرائم حرب أخرى

تعتبر المادة نفسها من اتفاقية روما جريمةَ حرب:

13. تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب.

16. نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة.

تستند هاتان المادتان إلى أنظمة لاهاي (المادة 23(ز) والمادة 28 على التوالي). وتعرّف اتفاقية روما والمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة “النهب” أو “السلب” بأنه “الاستيلاء على الممتلكات للاستخدام الشخصي الخاص.” لذا يجب تمييزه عن الاستيلاء “الرسمي” للممتلكات المشار إليه أعلاه.

أما بخصوص ممتلكات العدو، فتنصّ المادة 53 من أنظمة لاهاي لعام 1907 على أنه “يحقّ لجيش الاحتلال أن يستولي فقط على الأموال والسندات المستحقة التي تعود ملكيتها حصراً للدولة، وعلى مخازن الأسلحة ووسائل النقل والمستودعات والمؤن، والممتلكات المنقولة العائدة للدولة بشكل عام والتي يمكن أن تستخدم في العمليات العسكرية.”

النزاعات غير الدولية

لا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أن الفقرتين (2)(ج) و (2)(هـ) من المادة 8 من اتفاقية روما تنصّان على قوانين تنطبق على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي مطابقة تقريباً لتلك التي تنطبق على النزاعات المسلحة الدولية (انظر(ي) أدناه من أجل مناقشة مفصلة عن النزاعات الدولية وغير الدولية). وتشمل هذه القوانين فيما تشمل:

1. تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.

2. تعمّد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي.

5. نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة.

12. تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب.

تعتبر اتفاقية روما هذه الأفعال انتهاكات خطيرة لقوانين وأعراف الحرب، وبالتالي جرائم حرب، تماماً كما هي الحال في النزاعات المسلحة الدولية. وتعكس هذه المواد مضمون المادة 13(2) من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، الذي يخصّ النزاعات المسلحة غير الدولية، لكنها لا تذكر صراحة المواقع المدنية أو مبدأ التناسب. لكن من المتفق عليه عموماً أن بنود الحماية العامة التي تنص عليها المادة 13(1) و (2) تشمل المواقع المدنية ضمناً.

خلاصة

يُعتبر تدمير الممتلكات المدنية أو الاستيلاء عليها بشكل غاشم أو متعسف انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، وبالتالي جريمة حرب تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية. وقد استعرض الفصل السابق أمثلة عديدة تشير إلى ارتكاب أفعال كهذه من قبل النظامين السوري والإيراني في مناطق معينة من سوريا على نحو مفرط ومتكرر بحسب تعريف اتفاقية روما والقوانين الدولية الأخرى ذات الصلة.

علاوة على ذلك، غالباً ما ارتُكبت هذه الجرائم إلى جانب جرائم حرب أخرى، كالاستهداف المتعمد للمدنيين أو المواقع المدنية، النهب أو تدمير ممتلكات العدو دون أن تبرر ذلك ضرورات الحرب.

أخيراً، لا يهمّ كثيراً إن صُنّف النزاع في سوريا على أنه دوليّ أو لا، لأن اتفاقية روما تغطي الحالتين، رغم أن مؤلفي هذا التقرير يجادلون أنه يجب التعامل مع الحرب في سوريا باعتبارها نزاعاً مسلحاً دولياً (انظر(ي) أدناه).

ملاحظات ومراجع:

1 تجدون اتفاقيات جنيف البروتوكولات الملحقة بها على هذا الرابط.

2 تجدون اتفاقية روما على هذا الرابط.

3 المادة 14.

4 اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “تعليق على البروتوكولات الإضافية الملحقة باتفاقية جنيف لعام 1949“، 1987.

5 للمزيد عن تعريف المواقع المدنية والعسكرية، انظر هنا.

6 للمزيد عن تعريف المدنيين، انظر هنا.