الملخص التنفيذي
يجادل هذا التقرير أن التدمير المتعسّف وواسع النطاق لممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها، وتهجير ونقل السكان المدنيين قسراً منذ آذار/مارس 2011، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما يعرّفها القانون الدولي.
كما يجادل أن هذين النوعين من الجرائم يشكلان معاً ما يبدو أنها سياسة رسمية للتطهير الطائفي تُطبّق في مناطق معينة من البلاد. ويبدو أن ما يقود هذه السياسة مزيج من تجارة حرب مافيوزية تتصل بالحلقة الضيقة للنظام السوري وبرنامج تشييع يدفعه ويموّله النظام الإيراني.
يركز التقرير على مناطق محددة من سوريا، مثل حمص ودمشق، ويجادل أن الهدف من تدمير وإعادة إعمار هذه المناطق هو خلق مناطق موالية للنظام وممرات عسكرية استراتيجية. وقد أوكلت مهمة “غزو” واحتلال هذه المناطق بشكل أساسي لميليشيات طائفية يتحكم بها النظام الإيراني (حزب الله اللبناني، الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية، إلخ) لأنها كانت تُعتبر في نظر النظامين السوري والإيراني أكثر ولاءً وأفضل تنظيماً من الجيش النظامي السوري.
أما الهدف البعيد لهذه الخطة – والتي قد ترقى إلى تطهير طائفي واحتلال أجنبي – فيبدو أنه يتمحور حول تأمين ممرّ دمشق-حمص-الساحل على طول الحدود اللبنانية، من أجل تأمين استمرارية جغرافية وديموغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام من جهة، ولتأمين وصول شحنات السلاح الإيراني إلى حزب الله في لبنان من جهة أخرى، في الوقت الذي تقطع فيه خطوط إمداد الثوّار القادمة من شرق لبنان أو عبره.
بالفعل، السبب الرئيس لتصميم النظام الإيراني على إنقاذ نظام بشار الأسد والسيطرة عليه بأي ثمن هو الحفاظ على إمكانية إرسال الأسلحة لحزب الله في لبنان عن طريق سوريا، ما سيضمن بقاء الحزب رادعاً قوياً ضد أي هجوم محتمل من قبل إسرائيل أو الغرب على منشآت إيران النووية. يفترض النظام الإيراني أن “خط الدفاع” هذا سيضمن بقاءه. أما إذا سقط نظام الأسد، فمن المرجح أن شحنات الأسلحة لحزب الله ستتوقف أيضاً، ولن يعود الحزب الرادعَ والتهديد ضد إسرائيل الذي يشكلهما حالياً.
سيشعر النظام الإيراني عندها بالضعف أكثر ولن يكون في مقدوره التفاوض من موقع قوة في محادثاته النووية مع القوى الغربية، كما يفعل الآن. قد يُضطر عندئذ حتى إلى التخلي عن أحلامه النووية إلى الأبد. ولهذا السبب، لم تدّخر إيران جهداً في تعبئة جميع مواردها البشرية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، أي بناء قنبلة نووية دون الخوف من ردة فعل عسكرية كبيرة على أراضيها.
يستعرض مؤلفو التقرير تقارير سابقة توثّق الدمار في سوريا، بما فيها تلك التي يصدرها معهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث (Unitar)، ويخلصون إلى أن هناك حاجة للمزيد من البحث والتحقيق لوضع الأرقام والخرائط المستخدمة في تقارير كهذه في سياقها من خلال مقارنتها بتقارير إخبارية وشهادات عيان موثوقة عما حدث بالضبط أثناء وبُعيد الهجمات التي تسببت بالدمار. ذلك ضروري لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم وما إذا كان التدمير مبرراً بالضرورات العسكرية للحرب كما يعرّفها القانون الدولي.
كما يستعرضون تقارير عن الهدم المسبق التخطيط لبعض المناطق، بما فيها تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” صدر عام 2014 عنوانه “التسوية بالأرض: عمليات الهدم غير المشروع لأحياء سكنية في سوريا في 2012-2013.” ويتفق المؤلفون مع ما يخلص إليه التقرير من أن حالات الهدم التي يوثّقها قد انتهكت القوانين الدولية لأنها إما لم تخدم هدفاً عسكرياً ضرورياً ومحدداً وجاءت كما يبدو عقاباً متعمداً للسكان المدنيين، أو أنها تسببت في ضرر مفرط للمدنيين غير متناسب مع الهدف العسكري المفترض.
لكن المؤلفين يجادلون أن حالات الهدم التي يعاينها تقرير “هيومان رايتس ووتش” وحالات أخرى مشابهة تتصل بالنزاع المسلح في سوريا بشكلين آخرين كذلك، ليس فقط العقاب الجماعي والضرر المفرط.
أولاً، يبدو أن الهدف من استهداف وتدمير مناطق معينة في سوريا لم يكن فقط معاقبة سكان هذه المناطق على مساندتهم للثورة أو للثوار المسلحين، والذين صدف أن معظمهم ينحدر من أصول سنّية؛ بل كذلك لـ “تطهير” تلك المناطق من جميع “العناصر غير المرغوب فيها” ومنعهم من العودة إلى منازلهم في المستقبل. النتيجة هي تغيير الولاءات السياسية والتركيبة الديموغرافية لتلك المناطق.
ثانياً، يبدو أن الحرب استُخدمت، في بعض هذه المناطق على الأقل، كذريعة أو كغطاء لتنفيذ مخططات مسبقة أو طويلة الأمد للتطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي.
ولتحقيق هذا الهدف المزدوج (أي تطهير مناطق الثوار وتنفيذ مخططات تغيير ديموغرافي طويلة الأمد في تلك المناطق) كان لا بدّ أن تتبع عمليات التدمير والهدم مشاريع “إعادة إعمار.”
لإثبات صحة هذه الادعاءات، يستعرض التقرير سياسات الحكومة السورية والمراسيم الرئاسية في السنوات الأخيرة الخاصة بتنظيم مناطق “العشوائيات” السكنية. ويُظهر التقرير أنه، في العديد من الحالات، كانت هناك خطط مسبقة “لإعادة إعمار” المنطقة بأسرها قبل بدء النزاع الحالي بوقت طويل.
على سبيل المثال، يبدو أن عمليات الهدم في منطقة المزّة في دمشق استمرار لمخطط قديم يهدف لخلق “منطقة نفوذ إيراني” في جنوب دمشق تشبه الضاحية الجنوبية لبيروت الخاضعة لسيطرة حزب الله. كل ما في الأمر أن الخطة سُرّعت بسبب الحرب أو تحت غطائها. كما يبدو أن السفارة الإيرانية في دمشق تلعب دوراً محورياً في هذه الخطة.
يخلص المؤلفون إلى أن خطط التنظيم العمراني هذه، بالإضافة للهدم المستهتر وواسع النطاق لممتلكات المدنيين، ترقى إلى استيلاء غير مشروع على ممتلكات المدنيين لا تبرره الضرورات العسكرية، حتى لو أنها حدثت في سياق النزاع المسلح.
يتهم التقرير عدداً من المسؤولين الإيرانيين بالتورط في هذه المخططات، بمن فيهم السفير الإيراني في سوريا، الوسيط الإيراني في حمص المعروف بالحاج فادي، بالإضافة إلى رجال أعمال وقادة عسكريين إيرانيين ذوي مسؤوليات في سوريا. وغني عن القول إن المسؤول الإيراني الأول المتهم بهذه الجرائم وغيرها سيكون الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس (سباه قدس)، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني (سباه باسداران).
يعاين التقرير أيضاً تقارير إعلامية عن شراء النظامين السوري والإيراني – إما مباشرة أو عن طريق عملاء – مساحات واسعة من العقارات والأراضي في حمص ودمشق، وبدرجة أقل في حلب. كما يعاين تقارير عن “سرقات قانونية” للممتلكات من خلال تزوير المستندات والوثائق.
ويخلص المؤلفون إلى أن هناك حاجة للمزيد من الأدلة الملموسة عن أساليب احتيال أو قسر تتصل بالنزاع المسلح تزعم التقارير أنها تُستخدم من قبل النظام الإيراني أو عملائه لاستملاك العقارات في هذه المناطق.
كما يلزم المزيد من الأدلة لإثبات أن هذه الممارسات واسعة الانتشار أو منهجية بما يكفي لاعتبارها سياسة دولة (أو سياسة سلطة أمر واقع). فقط عندها يمكن الحديث عن اعتبار عمليات الشراء هذه استملاكاً غير مشروع لممتلكات المدنيين أو ممتلكات العدو يرقى لجريمة حرب كما يعرّفها القانون الدولي.
يستعرض التقرير بعد ذلك عدداً من مشاريع “إعادة الإعمار” التي تنفذها حالياً مافيات قديمة-جديدة تتصل بالحلقة الضيقة للنظامين السوري والإيراني، كجزء من مخططات التطهير الطائفي المزعومة.
ويركز التقرير بشكل خاص على شركة “شام القابضة” لصاحبها رامي مخلوف، شركة “كارتل غروب” لإياد غزال، مجلس مدينتي دمشق وحمص، شركة “خاتم الأنبياء” الإيرانية (ذراع سباه باسداران للهندسة والإعمار)، بالإضافة إلى شركات إسمنت وبناء إيرانية أخرى.
يجادل المؤلفون أن الحرب المستمرة في سوريا والدمار الذي تسببت به تقدّم فرصة ذهبية للعديد من الشركات الإيرانية التي تملك عقوداً في سوريا لتوسيع أعمالها في البلد. كما أن السوق الجديدة تقدّم فرصة لإيران ليس للتهرب من العقوبات الاقتصادية الدولية فحسب، بل كذلك لتعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية في سوريا.
بتعبير آخر، خطط كهذه سياسية أكثر منها اقتصادية. إذ تقوم على افتراض أن الاستثمار في سوريا اليوم سيمنح المستثمرين أو الشركاء نفوذاً كبيراً في كيفية حكم البلاد على المدى البعيد، حتى وإن لم تعد الاستثمارات بعوائد وأرباح مالية على المدى القريب.
لذلك يوصي مؤلفو التقرير بوجوب التحقيق في هذه الشركات والجهات السورية والإيرانية المنخرطة في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وكذلك العديد من الشركات والهيئات التي لا يذكرها التقرير. فإذا وُجدت أية أدلة على شروعها في أنشطة غير مشروعة، كاستخدام الحرب كوسيلة أو غطاء لتنفيذ مخططات إعادة إعمار مشبوهة، فيجب فرض العقوبات المناسبة عليها ومعاقبة أصحابها وفق القانون. وعلى ذلك أن يشمل دور هذه الجهات وهؤلاء الأشخاص في تسهيل ودعم والتحريض على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية آنفة الذكر.
يعاين التقرير بعد ذلك وجهين لما يبدو أنه تغيير ديموغرافي بطيء وصامت يحدث في سوريا: التهجير القسري للملايين من السكان المدنيين، الذين صدف أن معظمهم ينحدر من الطائفة السنّية، واستجلاب أجانب من أصل شيعي وتوطينهم في سوريا.
لم يعد خافياً أن التشيّع في سوريا في نمو مستمر، على المستويين الشعبي والرسمي على حدّ سواء. لكن أغلب التغطية الإعلامية لهذه الظاهرة عادة ما تكون طائفية، تخلط بين الدينيّ والثقافيّ وبين السياسيّ. القضية الوحيدة التي يجب أن تشغلنا في هذا الصدد هي وجود أدلة كافية لاتهام النظامين السوري والإيراني بتغيير، أو محاولة تغيير، التركيبة الديموغرافية لمناطق معينة من سوريا باستخدام وسائل غير مشروعة.
يعاين المؤلفون في هذا الخصوص تقارير إعلامية عن استملاك وزارة الأوقاف السورية لأراض وعقارات تحيط بمزارات وأضرحة سنّية، ثم منحها أو بيعها مع الأضرحة لإيرانيين، يدّعون بعدئذ أن الأضرحة أو المزارات تعود لشخصيات شيعية تاريخية ويبنون حولها أبنية جديدة. كما يعاينون تقارير وإشاعات عن منح السلطات السورية الجنسية السورية لآلاف من الشيعة الأجانب.
في جميع الأحوال، فإن نقل السكان الذي يحرّمه القانون الدولي يتعلق بالمدنيين وليس بالمقاتلين. علاوة على ذلك، غالبية المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون في سوريا ليسوا مواطنين إيرانيين؛ أغلبهم عراقيون ولبنانيون وأفغان. وبالتالي لا يمكن نظرياً اتهام إيران في معظم هذه الحالات بنقل سكانها المدنيين إلى سوريا. لكن يمكن المجادلة أن السلطات الإيرانية، ولا سيما سباه باسداران، تمارس سلطة أمر واقع على هؤلاء المقاتلين الشيعة.
على أية حال، هناك حاجة إلى أدلة موثوقة أكثر لتحديد مدى مصداقية وحجم مخططات نقل السكان المزعومة هذه. لكن هناك مؤشرات ورؤوس خيوط كافية لفتح تحقيق دولي جادّ من قبل هيئات مختصة في هذه القضية الخطيرة.
فعلى الرغم من أن العنف والتدمير اللذين مارستهما قوات وميليشيات النظامين السوري والإيراني ضد المدنيين والمواقع المدنية غالباً ما كانت عشوائية إلى حدّ كبير في العديد من الحالات، خاصة في المدن الكبرى، إلا أن هناك أدلة كافية على أن حالات أخرى كثيرة، على الأقل في بعض المناطق، كانت ذات طابع طائفي. وهناك عدد من الأسباب لذلك.
بعد اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011 بقليل، ومع تزايد عدد الجنود المنشقين عن الجيش النظامي والتحاقهم بالجيش السوري الحرّ، لجأ النظامان السوري والإيراني إلى ميليشيات طائفية، قديمة وجديدة، لملء هذا الفراغ. وهكذا، حتى وإن كان الهدف سياسياً (قمع تظاهرات شعبية حاشدة)، فإن الخطاب الذي استُخدم لتعبئة وتجنيد عناصر هذه الميليشيات في سوريا ولبنان والعراق وإيران كان في غالبه طائفياً (حماية العلويين والشيعة من متطرفين سُنّة وما إلى ذلك). ليس من المفاجئ، والحال هذه، أن العديد من الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيات كان طائفيّ الدافع – على الأقل في أذهان مرتكبيها – كما تدلّ على ذلك فيديوهات وتعليقات لا تحصى نشرها عناصر هذه الميليشيات على مواقع التواصل الاجتماعي.
صحيح أن عناصر ما يُدعى بقوات الدفاع الوطني، أو ما يُعرف بين السوريين بالشبّيحة، ليسوا جميعاً علويين، كما تصوّرهم غالباً تقارير وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل إعلام المعارضة السورية. لكن الصحيح أيضاً أن الميليشيات التي قاتلت وتقاتل إلى جانب النظام أو نيابة عنه في مناطق معينة، مثل جمص وجنوب دمشق، تتشكل في الغالب من علويين أو شيعة. وهذه هي المناطق ذاتها التي وقع ويقع فيها الكثير من الجرائم التي يركز عليها هذا التقرير.
كثيراً ما ترافق التدمير والهدم واسع النطاق لممتلكات المدنيين مع جرائم أخرى ذات صلة ارتكبتها الميليشيات التي يتحكم بها النظام الإيراني، مثل النهب وتدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها دون أن تبرّر ذلك الضرورات العسكرية للحرب.
يسلط التقرير في هذا الصدد الضوء على قوات الدفاع الوطني، الميليشيا غير النظامية التي أنشأها النظامان السوري والإيراني لهدف واحد ووحيد، وهو القيام بـ “الأعمال القذرة” بالنيابة عن الجيش في قمع التظاهرات السلمية المعادية للنظام في بداية الثورة. ويجادل المؤلفون أن قوات الدفاع الوطني كانت ولا تزال تتصرف “بقصد إجرامي مشترك”، كما يعرّفه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن أعلى مستويات النظام السوري، بالإضافة إلى قادة عسكريين إيرانيين ومن حزب الله، كانوا واعين تماماً بتلك الغاية الإجرامية وبالنشاطات الإجرامية اللاحقة، لكنهم لم يفعلوا شيئاً لإيقافها أو معاقبة مرتكبيها.
علاوة على ذلك، لعب النظام الإيراني، ولا سيما سباه قدس، دوراً أساسياً في تشكيل وتسليح وتدريب قوات الدفاع الوطني، التي شُكلت على غرار قوات الباسيج الإيرانية. ويرقى هذا الدور، الذي لعبه النظام الإيراني بكامل العلم والنيّة، إلى “دعم وتعزيز النشاط الإجرامي أو القصد الإجرامي للجماعة،” وفقاً للمادة 25 من اتفاقية روما.
لذلك يجادل مؤلفو التقرير أن قادة إيرانيين، عسكريين ومدنيين، متورطون أيضاً في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها هذه الميليشيات من خلال ما يُعرف بمسؤولية القيادة. ويقدّم التقرير مناقشة مفصّلة لمسؤولية القيادة ومفهوم “التحكم الفعلي” – الذي لا يقتصر على الرتب العسكرية الرسمية بل يشمل القيادة الشكلية والفعلية – لدعم ادعائهم هذا.
ينتهي التقرير بدعوة جميع الهيئات والمنظمات السورية والدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية التابعة للأمم المتحدة، واللجان الخاصة بالعقوبات في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتحقيق في الجرائم آنفة الذكر وجميع مرتكبيها والمساهمين فيها.
وتدعو (نامه شام) بشكل خاص المدّعية العامة في محكمة الجنايات الدولية إلى المباشرة بفتح تحقيق في هذه الجرائم من تلقاء نفسها، وفقاً للمادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة، على أساس تقرير (نامه شام) هذا وأية معلومات أخرى تلقتها عن هذا الموضوع.
من الواضح أن الجرائم التي يناقشها التقرير تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية، كما يوضّح الفصل الثاني ذلك بشكل مفصل. لذا يدعو المؤلفون المدعية العامة لاستخدام السلطات التي تمنحها إياها اتفاقية روما والمباشرة بفتح تحقيق دولي في هذه الجرائم، حتى لو قامت روسيا والصين فيما بعد بعرقلة التحقيق باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.
كما تدعو (نامه شام) المدعية العامة أن تقبل العرض الذي قدّمه علناً رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية في آذار/مارس 2015. إذ قال السيد باولو بينيرو إن اللجنة “مستعدة للمشاركة” بالقوائم السرية بأسماء المتهمين التي جمعتها اللجنة مع أية سلطات قضائية تحضّر دعاوى بخصوص جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. وتضم القوائم، على حدّ قوله، أسماء قادة ألوية الجيش وأجهزة الأمن والمعتقلات السورية، بالإضافة إلى قادة فصائل المعارضة المسلحة. وكان الهدف من هذه الحركة، على ما يبدو، تجاوز مجلس الأمن، حيث من المرجح أن تستخدم روسيا والصين الفيتو ضد إحالة الملف إلى محكمة الجنايات. على المدعية العامة لذلك أن تطلب الاطلاع على هذه القوائم لأنها قد تساعد في تحقيق المحكمة.
للمساعدة في جهود قانونية كهذه، يقدّم الفصل الثاني من التقرير عرضاً مفصلاً للإطار القانوني للتحقيق في هذه الأنواع من الجرائم الدولية في السياق السوري، مع نقاش معمق لمسائل قانونية مختلفة تتعلق بذلك. وتضمّ هذه فيما تضمّ تعريف التدمير أو الاستملاك المتعسّف وغير المشروع لممتلكات المدنيين، وتهجير أو نقل السكان المدنيين قسراً، وفيما إذا كانت هذه الجرائم المرتكبة في سوريا ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية.
كما يناقش التقرير إمكانيات أخرى لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم خارج محكمة الجنايات الدولية، ويتوسع في مسألة ما إذا كان يجب التعامل مع النزاع في سوريا على أنه نزاع مسلح دولي أو غير دولي، وهي قضية سبق أن ناقشها بالتفصيل تقرير سابق لـ (نامه شام) عن دور إيران في سوريا.
يخلص المؤلفون إلى أنه يجب التعامل مع الحرب المستمرة في سوريا على أنها نزاع مسلح دولي طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري من قبل الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي، وفقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
لكن حتى دون اعتبارها كذلك، يجادل المؤلفون أن القوانين الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة يجب أن تُطبّق على الحالة السورية، خاصة وأنه من المستبعد جداً أن السلطات السورية والإيرانية ستكون راغبة يوماً بفتح تحقيقات ودعاوى مستقلة وحيادية ليست مسرحيات الهدف الفعلي منها التغطية على المجرمين الحقيقين وتبرئتهم من مسؤولياتهم القانونية عن هذه الجرائم.